تونس | لدى صعوده مدارج قاعة «سينما الكوليزي» برفقة المخرج محمد زرن صاحب فيلم Dégage، فوجئ وزير الثقافة التونسي مهدي مبروك بمجموعة شبان يرفعون في وجهه شعار «ارحل»! آخرون وضعوا ملصقات على أفواههم في إشارة الى سياسة الحكومة التي يتهمونها بمحاصرة المبدعين. هكذا، خيّم الاحتجاج على الدورة الأولى بعد الثورة (الدورة 24) من «مهرجان أيام قطاج السينمائية». افتُتح الحدث مساء الجمعة بشريط «ارحل» الوثائقي وباحتجاجات المشاركين على الفوضى التنظيمية التي لم تشهدها الدورات السابقة.
مع ذلك، تراهن الحكومة على هذه التظاهرة بهدف إقناع أوروبا بأنّ الخطر السلفي مبالغ فيه. مدير التظاهرة محمد المديوني نال الحصّة الأكبر من احتجاجات الغاضبين، خصوصاً في ما يتعلق باستبعاد بعض الأفلام الوثائقية والروائية من المسابقة مثل «مرّ وصبر» لنصر الدين السهيلي، و«فلاقة ٢٠١١» لرفيق العمراني، و«يلعن بو الفسفاط» لسامي التليلي وغيرهم من الشبان الذين شكّلوا جزءاً من الحراك الشعبي الذي أطاح زين العابدين بن علي. بعيداً عن المشاكل التنظيمية والتجاذبات السياسية، نجحت إدارة المهرجان في تقديم دورة ثرية مع توزّع الجوائز على مسابقة الأفلام الروائية الطويلة (يرأس لجنة تحكيمها السيناريست والشاعر التونسي علي اللواتي)، ومسابقة الأفلام القصيرة (المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي)، والوثائقية (الإيطالي رنزو روسيليني).
الأفلام الـ62 التي تنافس على جوائز التظاهرة (24 فيلماً قصيراً، و20 طويلاً، و18 وثائقياً) من 33 دولة عربية وأفريقية، تغطي مواضيعها الحروب الأهلية والفقر و«الربيع العربي» وقضايا الديموقراطية وحقوق الانسان. شريط يسري نصر الله «بعد الموقعة» (ضمن المسابقة) يصوّر الأزمة النفسية التي يعيشها «البلطجي» محمود الذي هاجم المعتصمين في ميدان التحرير ضمن ما سمي «موقعة الجمل»، بينما يسلّط الجزائري مرزاق علواش في «التائب» على «فترة الإرهاب» التي شهدتها الجزائر في التسعينيات. ويؤرخ المخرج محمود بن محمود في «الأستاذ» لولادة «الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان» في أواسط السبعينيات والمواجهة مع الحزب الحاكم، ويفضح التونسي النوري بوزيد في «ما نموتش» عقدة المجتمع الأبوي تجاه المرأة من خلال حكاية فتاتين شاركتا في «ثورة ١٤ يناير» وتحاولان الانعتاق من ضغوط المجتمع الأبوي القاسية. يضيء العمل على مسألة حساسة هي قضية المرأة في مرحلة تسلّم الإسلاميين الحكم، ويظهر السينمائي المعروف في عمله كعازف أكورديون يضربه إسلاميون متطرفون حتى الموت. علماً أنّ صاحب «ريح السدّ» تعرّض فعلاً لاعتداء سلفي قبل أشهر. (الأخبار 29/8/2012)
فلسطين تحضر بقوة عبر شريط «مملكة النمل» لشوقي الماجري الذي يسرد التغريبة الفلسطينية عبر ثلاثة أجيال وهو الموضوع نفسه الذي تتناوله الفلسطينية آن ماري جاسر في «لما شفتك» التي صورت مأساة لاجئي ١٩٤٨. وبينما يهتم الشريط السنغالي «الزورق» لموسى توري بمأساة «الحرقة» والهجرة الى أوروبا عبر زوارق الموت، يذهب الشريط اللبناني «انسان شريف» لجان كلود قدسي إلى جرائم الشرف. في المحصلة، لم تبتعد أفلام الدورة عن مشاغل مجتمعات الجنوب التي تعاني الفقر والبطالة والفساد وغياب الديموقراطية والعنف والتشدد الديني ومآسي الهجرة السرية.
وفي مسابقة الأفلام القصيرة، تنافس مجموعة كبيرة من الأعمال من بينها «أمل دنقل» لمصطفى محفوظ (مصر) و«قطرة» لمحمد البكري (فلسطين) و«تاليتا» لسابين الشماع من لبنان... فيما تقدَّم ثلاثة أفلام تونسية في عرض أول هي: «البحث عن محيي الدين» لناصر خمير و«خميس عشية» لمحمد دمق، «السراب الاخير» لنضال شطا الى جانب بانوراما السينما التونسية.
إضافة إلى تظاهرة «السينما المكتشفة من جديد» التي تعرض أهم كلاسيكيات السينما مثل «المومياء» لشادي عبد السلام، يسعى «قرطاج» إلى إبراز جيل جديد من السينمائيين الشبان حمل خطاباً جديداً ونجح في تجاوز الدائرة التقليدية للإنتاج التي كانت مُرتبطة بدعم وزارة الثقافة، فأغلب الأفلام المشاركة في المهرجان أُنتجت خارج هذه الدائرة. لكن هذه الحركية في مستوى الانتاج تعكس مفارقة حقيقية في المشهد الثقافي التونسي. ارتفاع نسق الانتاج وتعدد المعاهد العليا وانتشار الملتقيات المهتمة بالسينما ترافقت مع انحسار كبير للثقافة السينمائية، فلا مجلة متخصصة في الفن السابع في تونس فيما تقلّصت النوادي وتواجه الصالات شبح الإقفال.



«مهرجان أيام قرطاج السينمائية»: حتى 24 تشرين الثاني (نوفمبر)
http://www.jccarthage.com/fr