طهران | تشديد الحصار على إيران لا يعني فقط البنك المركزي والتعامل الاقتصادي مع البلد. في العام الماضي، حاول الأوروبيّون توسيع نطاق المقاطعة ليشمل السينما الإيرانية أيضاً، «لكنهم لم يستطيعوا» يقول المخرج شفيع آقامحمديان، والمدير المسؤول لمهرجان الأفلام الوثائقية «سينما حقيقت» أو CINEMA VERITE.
هذه السنة، انطلقت الدورة السادسة من مهرجان الأفلام الوثائقية الأضخم على صعيد إيران والمنطقة بحسب آقامحمديان بمشاركة 30 فيلماً عالمياً اختيرت من أصل 450 تقدّمت إلى المهرجان من 70 دولة، كما ضمّ المهرجان الذي اختُتم منذ أيام، قسماً خاصاً بأفلام أميركا اللاتينيّة عُرض فيه 100 شريط، من بينها «الجفاف» للمخرج إيفراردو غونزالس. العمل وثائقي يعرض بورتريهات للمزارعين الفقراء في مكسيكو، وهم ينتظرون من دون كلل هطول المطر لينعش أرضهم الجافة. وقد حصد الفيلم عدداً كبيراً من الجوائز في المهرجانات الأوروبية والأميركية العام الماضي، إضافةً إلى الأفلام العالمية والأميركية اللّاتينية، تضاف الأفلام الإيرانية المحليّة ليصل بذلك عدد الأعمال المعروضة هذه السنة إلى 450 عُرضت في ثلاث صالات في طهران، كما في مسارح وجامعات 20 محافظة أخرى في إيران. في هذه الدورة، كرّم المهرجان من تصفه الصحيفة الخاصة بـ «سينما حقيقت» بـ «تلميذ سارتر»، رفيق آلان رونيه والناقد في «دفاتر السينما» التي خرج من معطفها روّاد الموجة الجديدة. إنّه مخرج الأفلام الوثائقية الفرنسي الراحل كريس ماركر، إذ عرضت جميع أفلام ماركر خلال المهرجان.
في «سينما فلسطين» التي تبعد أمتاراً قليلة عن ساحة فلسطين الشهيرة وسط طهران، نلتقي آقامحمديان. يتحدّث الرجل عن مهرجانه بينما تصدح مكبرات الصوت المعلّقة في الساحة بخطاب يوم الغدير. هذا اليوم ذو أهميّة خاصة لدى الإيرانيين، وهو يوم عطلة رسمي ينجح ــ على نحو كبير ــ في تقليص ازدحام السير في مدينة مثل طهران. رغم مغادرة الناس العاصمة وانشغالهم بالعائلة في يوم العيد، كان القرار بافتتاح المهرجان في يوم الغدير، ما ترك صالات «سينما فلسطين» الضخمة شبه فارغة من الروّاد، لكن بالنسبة إلى آقامحمديان، كان مهماً جداً افتتاح المهرجان في 3 تشرين الثاني (نوفمبر) نظراً إلى رمزية اليوم، بينما تدفّق الناس إلى المهرجان كما إلى شوارع طهران صباح اليوم التالي. يتحدث آقامحمديان الفرنسية، لكنه يرتاح أكثر بالتكلّم بالفارسيّة. المترجم الذي يجلس بيننا ليس رجلاً عادياً. عدنان شاه طلائي يعمل مترجماً للدبلوماسيين في طهران، لكن عشقه للسينما جعله «يهرب» من الترجمة السياسية إلى الترجمة السينمائية خلال أيام المهرجان. يعشق عدنان أفلام جان بيار ميلفيل ويعلّق على حائط غرفته صورة للممثل الفرنسي آلان دولون. شاه طلائي نفسه أدى دور الإرهابي في فيلم «وداعاً يا بغداد» لمهدي نادري الذي كان على لائحة المرشّحين لنيل الأوسكار منذ عامين، كما أدى دوراً صغيراً في فيلم «عائلة محترمة» للمخرج مسعود بخشي، الذي عرض ضمن أسبوع Arte أخيراً في «متروبوليس أمبير صوفيل» في بيروت. تبدو الحماسة بوضوح على هذا الرجل وهو يبتعد عن ترجمة المفردات السياسية إلى تلك السينمائية.
في «مركز الأفلام الوثائقية والتجريبيّة» الذي ينظّم مهرجان «سينما حقيقت» مع الحكومة الإيرانية، أُنتج «وداعاً يا بغداد». المركز الذي يهدف إلى إعداد الشباب وتأمين التمويل اللازم لأفلامهم لنقلهم من مستوى الهواة إلى الاحتراف، ينتج 200 فيلم سنويّ، من بينها أيضاً فيلم التحريك «رستم وسهراب» الذي وصلت تكاليف إنتاجه إلى عشرة ملايين دولار. يقول آقامحمديان إنّ هذا المركز هو بأهمية البنية التحتيّة للسينما الإيرانية. «السينما التجريبيّة» في اسم المركز يجب أن تفسّر على الطريقة الإيرانيّة. المقصود هنا هو «التجارب الأولى». يقول آقامحمديان «ندعم بالكامل أي شخص يأتي إلينا بفكرة جيدة ورؤية جديدة ليصنع عمله الأول أو أول عمل روائي مثلاً بعد خوضه تجربة الوثائقي». ويشير هنا المخرج ومدير المركز إلى أنّ مهرجان ومشاريع بهذه الضخامة لا يجريان حول العالم من دون دعم حكومي. خمسون في المئة من الدعم المالي للمركز يأتي من الجهات الحكوميّة والنصف الباقي من التمويل الداخلي والرعاة.
غاب عن المهرجان السنة الماضية، عدد من الأفلام الأوروبية بعد طلب مقاطعة المهرجان الإيراني الذي سرى العام الماضي في أوروبا، لكن في الدورة السادسة عاد IDFA أو «المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام»، وهو من أهم المهرجانات الوثائقية في العالم، إلى المشاركة في «سينما حقيقت» من خلال ثلاثة أفلام. يقول آقامحمديان «رأينا في عودتهم للمشاركة السنة، بعدما كانوا قد التزموا المقاطعة في العام الماضي، اعتذاراً صريحاً لنا»، لكن حتى في السنة الماضية يقول آقامحمديان إنّ المقاطعة لم تكن كاملة، وخصوصاً من قبل المخرجين الذين يشاركون بصفة شخصية و«أيضاً لأننا كنّا قد اشترينا عدداً كبيراً من حقوق عرض الأفلام في المهرجان قبل قرار المقاطعة». وفي عودة الأوروبيين السنة إلى المهرجان، يرى آقامحمديان أنّ الغرب أدرك على نحو إيجابي، أنه لا يستطيع مقاطعة إيران سينمائياً. «فالكثير ممّا يحدث في طهران يسمع ارتداداته في بلادهم. أفلامنا هي الوهج الذي تحتاج إليه مهرجاناتهم».