في ديوانه «تأوهات لُلّو وقصائد أخرى» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، يدعونا هشام الزامل إلى مغادرة أغلب ما نقرأه من الشعر الذي يحدث داخل معجم الحياة اليومية أو يستثمر السيرة الشخصية وفانتازماتها المضخّمة والمهزومة. ما نقرأه هو محاولة لكتابة نص شعري يخلط التاريخ بالزمن الراهن، والأسطورة بقصص التكوين، واللغة الشديدة الفصاحة بالعلوم والرياضيات. قصائد قد تكون مُفارقة لما هو اعتيادي ومعروف، لكنها لا تنجح دوماً في عقد صلات قوية ومدهشة مع القارئ. يبدأ الشاعر العراقي من «لُلُّو» الإنسان الأول، ويستدعي تاريخ المنطقة وأساطيرها ونصوصها القديمة، كي يكتب ألم الفرد المعاصر المحمول على طبقات متراكمة من آلامٍ مماثلة لألمه: «إني الكائن للّو/ برعمُ «وي – أيلا»/ وي أيلا الغصنُ المكسور/ كسرته ريح الوهم/ وأناهيد مكبوتة/ في قعر الروح/ وأنا القربان الأبدي/ وضحية أهواء الآلهة الكبرى والصغرى/ …/ كنتُ ألوذ بسكون أبدي/ كنت سعيداً، سلطاناً/ في سفر النسيان/ جاء الشاعرُ هذا/ الوقح جداً/ المدعو هشام الزامل/ أيقظني من نسياني/ قطّع لي أوصالي بسيف الشعر/ وساطور الأوزان».
أسطورة الخلق تتعزز باستهلال الشاعر لعدة قصائد بمقتبسات من «سفر التكوين»، وحكايات من جلجامش وحمورابي، بينما تتعرض هذه المواد والموضوعات القديمة لضربات لغوية معاصرة يمكن من خلالها أن نقرأ قصيدة عن «هيروشيما»، وسطوراً عن ثقب الأوزون، ومعادلات رقمية، وعمليات حسابية. هكذا، يتسع النص الشعري لما نظن أنه خارج الشعر، فنقرأ جملةً مقسومة على جملة أخرى، وسطراً مضروباً بسطر آخر، ومفردة موضوعة تحت الرمز التكعيبي، وسهاماً تصل بين مفردات محددة، بل إن الشاعر لا يجد حرجاً في وضع إيميله الخاص داخل إحدى القصائد. أحياناً، نحس بأن كل ذلك يتعارض مع إصرار الشاعر على جزالة لغته وإيقاعاتها الصارمة، ولكن يبدو أن أطروحته أو طموحه يمكن هنا، كما أنه يتلقى ثناءات من كتّاب ونقّاد معروفين استشهد بهم على غلاف الديوان. أحدهم رأى في الديوان محاولة تحديث. وآخر رآه خروجاً عن النمط المألوف. وثالث يتحدث عن «التعاضد الدلالي» فيه. حسناً، قد تكون كل هذه التوصيفات قابلة للنقاش، لكن ينبغي أن يقترن ذلك بالحديث عن «الخسائر الشعرية» التي (قد) تنجم عن خيار الشاعر ونبرته في الكتابة.