أبو ظبي | لا يشبه مهرجان TROPFEST Arabia غيره من المهرجانات، فهو مختصر في ليلة واحدة، ولا تجري عروضه في الصالات المظلمة، بل في الهواء الطلق، حيث يتتالى عروض الافلام المتنافسة، وتختار لجنة التحكيم الفائز مباشرة. ولدت فكرة إنشاء مهرجان للافلام القصيرة عام 1993 بمبادرة من الممثل والمخرج الاسترالي جون بولسون. خلال لقاء صغير مع الأخير بعد إعلان النتائج، أخبرنا أنّ مهرجان «تروب فست» ولد بالمصادفة في أستراليا عندما خطر له أن يعرض أفلامه في أحد مقاهي سيدني. ومن هنا، جاءت فكرة إقامة مهرجان مجاني يشجع المواهب السينمائية الشابة، ولا يتطلب مبالغ طائلة لانجاز أفلامهم، خصوصاً أنّ إنجاز فيلم قصير لا يفرض بالضرورة إنتاجاً ضخماً أو إمكانات مالية كبيرة، بل يمكن الاعتماد على مخيلة المخرج وموهبته.
أما عن اختيار أبو ظبي لاستضافة النسخة العربية من المهرجان، فالامر يعود الى شركة Twofour 54 التي اقترحت الفكرة على بولسون. الى جانب الأخير، جاءت هند صبري بصفة المدير المشارك للمهرجان هذا العام، وشاهدت معه 175 فيلماً قبل اختيار الأعمال الـ16 التي وصلت الى النهائيات. وكانت الممثلة التونسية حاضرة خلال الاحتفال لدعم المشاركين، وإعلان أسماء الفائزين على خشبة المسرح.
هذه السنة، ضمّت لجنة التحكيم المخرج ورئيس مجلس إدارة «لامتارا بيكتشرز» محمد سعيد حارب من الإمارات، والمخرج الكويتي أحمد الزهير، والممثلة الأردنية صبا مبارك، والممثلة السورية كندة علوش، والمخرج والكاتب المصري عمر سلامة، إضافة إلى المؤلف الموسيقي اللبناني خالد مزنر. علماً أنّه كان يُفترض أن تتضمن اللائحة أيضاً السينمائية السعودية هيفاء المنصور، ولكن الأخيرة اعتذرت عن عدم المجيء.
كالعادة، لفتت الانتفاضات المتنقلة في العالم العربي أنظار لجنة التحكيم التي اختارت «غير قابل للتلف» للمصري محمد حسين أنور كأفضل فيلم في المهرجان. من خلال قصة خيالية، وعبر عيني شخص لا نراه، يسلّط الشريط الضوء على أفكار سائدة في «الربيع العربي». في دردشة مع المخرج، شرح لنا أنه أراد إظهار الامور كما يراها الشخص من داخله، وأن يتابع القصة وفق نظرته الخاصة وليس كما نراها من الخارج. الجائزة الثانية ذهبت لـ «ستة، إثنان» الذي يتطرق بدوره الى السلطة وسوء استخدامها، وهو للمغربي خالد التاقي البومسهولي الذي شارك بفيلم آخر هو «أبجد». أما جائزة ثالث أفضل فيلم، فكانت من نصيب «لقمة عيش» للمصري إسلام رسمي، إضافة إلى نيله جائزة أفضل ممثل.
لبنانياً، لم تُقدَّم أفلام كثيرة هذا العام كما علمنا من المنظمين، الا أن الأفلام الثلاثة التي دخلت القائمة النهائية نالت إعجاب بولسون وصبري، وهي: «الوداع الأخير» لنديم لحّام الذي سبق أن شارك العام الماضي في النهائيات أيضاً، و«صُنع لإثنين» لراي حداد، إضافة الى «أنا مين» لعلي سلوم الذي كان فاز العام الماضي بجائزة أفضل ممثل.
أما الجوائز فهي ذات قيمة رمزية ومعنوية، إذ إنّ الجائزة الأولى تبلغ 12500 دولار أميركي، ولكن المخرج يحصل على فرصة للسفر الى لوس أنجليس، ولقاء اختصاصيين مهمين في مجال صناعة السينما.
لكن هناك شروطاً معينة تحكم اختيار الأفلام، وهذا ما قد يحدّ أحياناً من حرية التعبير. بمعزل عن كون مدة الفيلم لا تتعدى سبع دقائق، عليه أن يتماشى مع عرضه أمام جمهور الامارات ثقافياً وسياسياً ودينياً. ومن الشروط التي تخضع لها الافلام المعروضة أيضاً ملاءمتها لموضوع معيّن يطرحه المنظمون أساساً لبناء فكرة الفيلم في كل عام. في النسخة الحالية، كان «الرقم 2» هو الثيمة الرئيسية في جميع الافلام، لذا نراه الرابط المشترك بين كل هذه الأعمال. والسبب كما يقول بولسون هو التثبت بأنّ الأفلام التي تتقدم للمهرجان أُنجزت حصرياً له، ولم تُعرض في أمكنة أخرى من قبل. في المقابل، وتماشياً مع رغبة المنظمين في تشجيع السينما لدى كل الفئات، فُتحت مشاهدة الافلام للجميع وبشكل مجاني، لكنّ ذلك أدى إلى قلة تركيز على الفيلم المعروض، والتشويش من قبل المشاهدين الذي افترش بعضهم الشاطئ قبالة الشاشة العملاقة لمجرد تمضية سهرة ممتعة. ولعل بعضهم كان ينتظر إطلالة الفنانة كارول سماحة التي اختتمت الاحتفال بوصلة من أغنياتها.