وزير الثقافة غابي ليون يضرب من جديد! هذه المرة، لم يجد الوزير «الإصلاحي» ضيراً في التعدّي على الحريات العامة ومحاولة كمّ الأفواه كما حدث أمس مع حملة «صحافيون خارج الجدول النقابي». إذ كان مقرراً أن يحتضن «قصر الأونيسكو» اجتماعاً لجمعيتها العمومية بهدف بحث الخطوات المطلوب اتخاذها لحثّ نقابتي الصحافة والمحررين على عقد جلسة للجنة الجدول النقابي لـ«اتحاد الصحافة اللبنانية» بعد مرور أكثر من شهرين على انتهاء المهلة التي حددتها نقابة المحررين لاستقبال طلبات الانتساب من دون بتّها.
ها هو الوزير الطالع للتو من «فضيحة» المرفأ الفينيقي (الأخبار 27/6/2012) يوعز من باريس الى مديري القاعة التي يفترض أن تحتضن الاجتماع، بمنع دخول منظمي الحملة والمشاركين فيها. مع العلم أنّ أصحاب حملة «صحافيون خارج الجدول النقابي» تقدموا بطلب الى المدير العام للأونيسكو أنطوان حرب واتبعوا الآلية المعتادة من تحديد لطبيعة النشاط وأهدافه ليصار الى رفعها الى وزارة الثقافة. إلا أنّ أيّ رد لم يأت من قبل المعنيين في الأونيسكو. وحين وصل هؤلاء أمس إلى الصرح، فوجئوا بقرار منعهم من الاجتماع.
وأبرز الحجج المقدمة لهذا المنع هو خلو الاجتماع من أي «طابع ثقافي» كما يقول مستشار وزير الثقافة ميشال دي شادارفيان لـ«الأخبار». برّر الأخير قرار المنع بـ«رغبة الوزارة في عدم تحويل قصر الأونيسكو الى صرح للنقابات والجمعيات والأحزاب التي تتعاطى السياسة»! علماً أنّ القصر لم يشهد في الفترات الأخيرة سوى تجمعات لأحزاب وتنظيمات لبنانية وغير لبنانية. بل أكثر من ذلك، ذهب البعض إلى تحويله منبراً دعائياً ترويجياً لحزبه أو لتجمعه السياسي. الأغرب في كلام ميشال دي شادارفيان هو إعطاء حجة إضافية لقرار المنع تمثّلت في عدم اطلاع الوزارة على فحوى التجمع وأهدافه! لحسن الحظ أنّ النائب غسان مخيبر الداعم والمشارك في الحملة، أطلع المعنيين في الوزارة على أهداف ومضمون التجمع ليصار الى فك الحظر لاحقاً والسماح للمتجمعين بدخول القاعة، لكن طبعاً بعد فوات الأوان. أحد أبرز منظمي الحملة الزميل بسام القنطار رأى أنّ قرار المنع مصدره الجهة المتضررة من اجتماع حملة «صحافيون خارج الجدول النقابي» أي نقابة «محرري الصحافة اللبنانية». وصف القنطار قرار ليون بالسياسي الذي يصب في خانة الاستنسابية والمزاجية من قبل وزارة الثقافة. ولذلك، تحوّل التجمع الى اعتصام في الباحة العامة للقصر «والضغط الذي مارسه الإعلام المتواجد هناك أسهم في فك هذا الحظر». اذاً، وحدها القاعة الداخلية بقيت خالية حتى بعد السماح للمشاركين بالدخول في إشارة واضحة منهم الى رغبتهم في عدم الخضوع لمزاجية غابي ليون وتعدّيه على الحريات.
النائب غسان مخيبر الذي تحوّل الى وسيط بين التجمع والوزارة، اعتبر في حديث مع «الأخبار» أنّ قرار المنع هذا كان «خطأً وسيئاً». وقد تدخل لمعالجة الأمر لكنّه رأى أنّ التراجع عن قرار منع الحملة من دخول القاعة جاء متأخراً، مشدداً على أهمية مبادرة «صحافيون خارج الجدول النقابي» التي تسعى الى تنظيم المهنة وتطويرها، ما يعني«الكثير من الجمعيات والنقابات ووسائل الإعلام». وهنا، عرّج على أصل المشكلة القانونية المتمثلة في الالتباسات الحاصلة في قانون المطبوعات. هذا الأخير لم يحدد طبيعة الانتساب الى الجدول النقابي لـ«اتحاد الصحافة» وما إذا كان ملزماً أم حراً للصحافيين المستوفين الشروط الأساسية لدخول هذا الجسم. وفي حال الإلزام، فإنّ هذا يعني أنّ جميع العاملين اليوم في مجال الصحافة مجرد «منتحلي صفة» وتجب ملاحقتهم قانونياً، وهذا ما يتجنبه مخيبر في نص مشروعه المقدم للجنة الإعلام والاتصالات في المجلس النيابي حول تنظيم المهنة واعادة النظر في قانون المطبوعات وتحديثه ليواكب «عصرنا الحالي» ويضمّ العاملين في المواقع الإلكترونية. وعن مدى صلاحية قرار المنع من دخول قاعات الأونيسكو، يؤكد مخيبر أنّ النظام الخاص بهذا الصرح يدرج شروطاً خاصة لا تنطبق على حملة «صحافيون خارج الجدول النقابي» إذ إنّ «المكان مفتوح لأي تجمع أو حزب أو نقابة تسعى الى طرح مسائل عامة ولا يحق للوزارات التدخل في قرار السماح أو المنع».
وفي خطوة لافتة بعيد الاعتصام، أصدر نقيب الصحافة محمد البعلبكي بياناً حدد فيه يوم الثلاثاء القادم موعداً «للنظر واتخاذ القرار بشأن كل طلبات الانتساب الى النقابتين» في مقر الاتحاد الذي يجمع مكتبي نقابة الصحافة والمحررين بعد «الضجة المفتعلة» من قبل حملة «صحافيون خارج الجدول النقابي»! لكنّ النقيب نسي أن يشير إلى أنّه لولا «صحافيون خارج الجدول النقابي» لكان الصحافيون سينتظرون سنوات قبل فتح باب الانتساب. وختم البعلبكي بيانه بالقول إنّ الجدول النقابي لم «يقفل يوماً من الأيام وسيظل مفتوحاً لطالبي الانتساب» علماً أن آخر دخول الى هذا الجسم النقابي سجل منذ 5 سنوات! ما تشي به طيات هذا البيان هو بروز الصراع الأبدي الأزلي بين نقابتي المحررين والصحافة. يظهر هذا الأمر جلياً مع ادراج جميع مطالب حملة «صحافيون خارج الجدول النقابي» التي ولدت في حزيران (يونيو) الماضي كقوة ضغط في وجه النقابتين، ضمن خانة الشخصنة والاستنسابية. إذ اعترض البعلبكي على الآلية التي اتبعتها الحملة في توجهها الى نقابة المحررين بدلاً من الصحافة التي يرأسها منذ سنوات طويلة، بما فيها تقديم طلبات الانتساب وبتّها! إذاً هكذا تتقاذف نقابتا المحررين والصحافة المطالب المحقة للعاملين في المجال الإعلامي ويذهب هؤلاء ضحية الكثير من الشخصنة والاستنسابية والقليل من المهنية والقانونية... أما الوزير غابي ليون، فها هو يضيف نقطة سوداء إلى سجلّه «الحافل».