لندن | في العاشر من تشرين الأول (أكتوبر)، ينطلق «مهرجان لندن السينمائي» بحلته الجديدة ويستمرّ حتى 21 منه. كما يقترح البرنامج اللافت حقاً، ستشهد الفقرات التقليدية للدورة الـ56 عدداً من التغييرات الجذرية أقرب ما تكون الى إعادة هيكلة لقواعدها وسلم أولوياتها. إذ استُحدثت فقرة مسابقة أفضل فيلم. وللمرة الأولى، اعتُمدت تقسيمات جديدة لعروض المهرجان، فضلاً عن توسيع دائرة فعالياته لتشمل أغلب أطراف العاصمة البريطانية، وخصوصاً مناطقها الشمالية.
في خطوة جريئة، قررت المديرة الفنية الجديدة الناقدة والكاتبة الأوسترالية كلير ستيورات كسر تقليد توارثته دورات هذه التظاهرة العريقة من خلال إبراز مسابقات المهرجان الثلاث الأساسية لتحتل واجهة البرنامج. هذا العام، استُحدثت مسابقة جائزة «أفضل فيلم» (12 شريطاً في المسابقة) للمرة الأولى. ومثلها هناك «جائزة سوذرلاند» لأفضل عمل أول (12 شريطاً) حيث تنافس السعودية هيفاء المنصور بفيلمها «وجدة» والشابة المصرية البريطانية سالي الحسيني «شقيقي الشيطان». فيما تمنح عادة جائزة الرائد الاسكتلندي في صناعة السينما الوثائقية جون غريرسون «لأفضل شريط وثائقي».
لعل هذه الخطوة تشي بتقديم منصة تهدف إلى استقطاب الأصوات السينمائية الجديدة وإغرائها في المشاركة من جهة، وإضفاء حيوية افتقدتها هذه التظاهرة السنوية لفترة طويلة من جهة ثانية. صحيح أنّ القائمين على هذا المهرجان نجحوا في استقطاب 14 فيلماً روائياً تعرض للمرة الأولى عالمياً، وإلى جانبها 34 تعرض للمرة الأولى أوروبياً، إلا أنّ السواد الأعظم من الأفلام الــ 225 الطويلة والوثائقية القادمة من 45 بلداً، سبق أن عُرض في «مهرجان كان السينمائي الدولي»، وبدرجة أقل في «مهرجان البندقية السينمائي الدولي».
ولم تكتف ستيورات بهذا التغيير الكبير، بل اختارت «ثيمات» محددة لجذب المشاهد على أساس خياراته السينمائية. هناك أعمال تقارب موضوع «الحب» جُمعت تحت تظاهرة تحمل هذا الاسم وضمّت 24 شريطاً سينمائياً، وعلى رأسها رائعة النمساوي مايكل هانيكي «حبّ» الذي نال سعفة «كان» الذهبية أخيراً، ومثله فيلم الإيراني عباس كياروستامي «مثل عاشق» الذي يقتفي قصة يابانية هذه المرة بعد عمله الأوروبي «نسخة طبق الأصل». ويضم المهرجان تظاهرة «مثير للنقاش» التي تشمل عرض 17 شريطاً، منها عمل الإيطالي ماتيو غاروني «واقع» الذي يوجّه تحيّة إلى سينما الواقعية الإيطالية في الستينيات، وقد فاز بالجائزة الكبرى في «كان» أيضاً. وتضم هذه الفقرة أيضاً شريط الهندية ميرا ناير «الأصولي المتردد» المقتبس عن رواية بالعنوان ذاته للباكستاني محسن حميد الذي افتتحت به دورة «مهرجان البندقية» الأخيرة. إلى جانبه، يحضر شريط الجزائري مرزاق علواش «التائب» الذي يستعيد سنوات «الجمر» التي عاشتها بلاده في مطلع تسعينيات القرن الفائت. وهناك عرض لشريط الإيراني مسعود بخشي «عائلة محترمة» الذي يضيء على تأثيرات سنوات الحرب العراقية ــ الإيرانية في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على العوائل الإيرانية. ومثله شريط الأرجنتيني بابلو ترابيرو المهم «الفيل الأبيض». على المنوال نفسه، يُعرض ضمن فقرة «جرأة» 22 شريطاً سينمائياً، ومنها عمل المكسيكي الرائع كارلوس ريغاداس «ضوء بعد العتمة» الذي خطف جائزة أفضل إخراج في «كان». أيضاً، يأتي فيلم الدانماركي توبياس ليندهولم «خطف»، مستحضراً عوالم القراصنة الصوماليين. ويقدم شريط «الشتا اللي فات» للمصري إبراهيم البطوط الذي عُرض في «مهرجان البندقية» لمحات لما عاشته مصر أثناء التظاهرات المطالبة بإسقاط النظام. فيما ضمت فقرة أفلام «التشويق» 12 عملاً، منها «قيصر يجب أن يموت» للأخوين باولو وفيتوريو تافياني اللذين توِّجا بـ«الدب الذهبي» في الدورة الـ62 من «مهرجان برلين السينمائي الدولي» الأخير. على الجانب الآخر وضمن فقرة أفلام «الرحلة»، نشاهد 23 شريطاً، على رأسها فيلم الروماني كريستيان مونجيو «خلف التلال» (جائزة أفضل سيناريو في «مهرجان كان») و«عشرة + عشرة» للتايواني هو هسياو ـ هسين، و«حجر الصبر» للروائي الأفغاني ـ الفرنسي عتيق رحيمي. فيما ستحتفل هذه الدورة بفقرة «الموسيقى». وسيكون شريط «إعصار اللهب» للمخرج بريت مورغان بمثابة تحية لفرقة الـ«رولينغ ستونز» في مناسبة نصف قرن على انطلاقتها الفنية.
لكن الأنظار ستتجه هذا العام نحو فقرة «المسابقة الرسمية لأفضل فيلم»، وما ستثيره من اهتمام نقدي وشعبي عبر تسجيلها سابقة في تاريخ هذه التظاهرة السينمائية. ويأتي شريط «عن الصدأ والعظام» للفرنسي جاك أوديار في مقدمتها، ومثله «أطفال منتصف الليل» للهندية ديبا مهتا المقتبس عن رواية سلمان رشدي الشهيرة، و«جينجر وروزا»، لسالي بوتر، و«في البيت» للفرنسي فرانسوا أوزون. فيما أبقت البرمجة الجديدة على فقرات «الأفلام التجريبية» و«كنوز الأرشيف المرممة» و«المحاضرات» على حالها من دون أن يطاولها أي تغيير.
وتفتتح هذه الدورة بشريط التحريك Frankenweenie للأميركي تيم بورتون في عرضه الأوروبي الأول. وسيكون في إمكان المشاهد البريطاني متابعة حفل الافتتاح وضيوف ونجوم السجادة الحمراء، من خلال شاشات مخصصة لهذا الغرض على طول هذه الجزيرة. فيما وقع الخيار على شريط «الآمال الكبيرة» للبريطاني مايك نويل، ليختتم هذه الدورة الاستثنائية بكل معنى الكلمة. ذلك أنّ حماسة كلير ستيورات ورهاناتها تكمن في «تثوير» هذه التظاهرة، إن صحّ التعبير، وجعلها تستجيب لمنطق التغييرات الهائلة التي تشهدها سوق الفيلم التي يتحكّم بها العملاق الهوليوودي، وتكتسحها التقنيات الحديثة. ولعل تجربتها في «مهرجان سيدني السينمائي» حين كانت قيصره المجدد، ستشفع لها. ربما هي «ثورة خريفية» لم يعتدها البريطاني ــ فرداً ومؤسسة ــ منذ فترة طويلة وجاءت رياحها من الأحفاد الأوستراليين.

«مهرجان لندن السينمائي»: من 10 حتى 21 تشرين الأول (أكتوبر) ـــ
http://www.bfi.org.uk/lff



عودة إلى «فرانكشتاين»

يُعرض Frankenweenie حالياً في الصالات اللبنانية (أمبير ـــ 1269). العمل التحريكي الثلاثي الأبعاد بالأبيض والأسود، هو إعادة لفيلم بورتون القصير الذي أنجزه عام 1984 بالعنوان نفسه. الفيلم ليس سوى تحية إلى «فرانكشتاين» لجايمس ويل (1931) المقتبس عن قصة ماري شيلي بالعنوان نفسه. في Frankenweenie، يستخدم الصبي فيكتور قوة العلم لبعث كلبه الذي نفق.