تنطلق اليوم في «سينما أبراج» الدورة 12 من «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، بمشاركة 57 فيلماً، على أن يكون الافتتاح مع «قصة ثواني» للبنانية لارا سابا. قد تكون الأحداث العاصفة حولنا حجّمت المهرجان وقلصت عدد مشاركيه، أو سحبت من برنامجه أسماءً تمنيناها بيننا. لكن الأكيد أنّها لم تستطع أن تجد في منظميه استسلاماً. كان برنامج «ما تيسر» كافياً لتقديم مجموعة أعمال قادرة على صنع تميزه ولو كان عددها يقارب نصف عدد الأفلام التي شاركت في الدورة السابقة.
لبنان وقع في دائرة الحظر الثقافي من دول عربية وأوروبية ساهمت في بث الرعب في مخرجين فضّلوا عدم خوض مغامرة المشاركة في لقاء سينمائي يقام في دول يهددها «الإرهاب». لكن المهرجان يقام بمن حضر، ومن حضر ليس أقل قيمة ممن غاب. والنتيجة أقرب الى انتقاء نخبوي ولو بحكم الضرورة، لا سيما بعد تدعيم المهرجان بأفلام استعادية للعملاقين الأميركي ستانلي كوبريك والفنلندي آكي كوريسماكي (راجع الصفحة المقابلة). المهرجان يفتتح اليوم قبل أن يستكمل البرنامج على مدى أيامه التسعة أفلاماً تغطي مساحة عريضة من القضايا الملحة. هذا العام، نجد تعويضاً عن الغياب غير المبرر لأفلام الثورة في الدورة السابقة، فنشهد فيلمين يعرضان في «البانوراما الدولية» (4 و5 و8/10) الثورة المصرية بعيون لا تنتمي الى أرض الكنانة، وهما «انتفاضة» للأميركي فريدريك ستانتون و«المنصاعون» للإيطالي فرانشيسكو كازولو. وإذا كان ستانتون صنع فيلمه من خلال مقابلات مع شبان نشطوا في «25 يناير»، معتمداً على التفاصيل الدقيقة لرسم صورة واقعية، فإن كازولو سعى الى تقديم نمط مختلف عبر دمج المشاهد العامة بالتفاصيل، في صورة بانورامية للأحداث، ما يشكل نموذجين مختلفين لتأريخ الحدث نفسه.
أما سوريا، فتحضر بقوة في المهرجان لتطرح قضية المسيحيين وهاجس الثورة عبر «دمشق... مواجهة مع الذاكرة» (5/10) للمخرجة الفرنسية السورية الأصل ماري سورا، فيما نجد «الثورة الناعمة» مع صديق المهرجانات اللبنانية الإيراني محسن مخملباف الذي يعرض له شريطه الجديد «البستاني» (6 و7/10) الذي ينافس على جائزة الأفلام الوثائقية، ويتناول قصة جيل إيراني جديد بدأ يتمرد ولو جزئياً على الموروثات الدينية والاجتماعية. ولأنّ لا قيمة لثورات لا تحترم حقوق الإنسان، فقد خصّصت أفلام لهذه القضية منها «ثمن الجنس» (6/10) للبلغارية ميمي شاكاروفا، و«الشرائط الزهرية» (7/10) للكندية ليا بول، و«رحلة خاصة» (7/10) للسويسري فرنان ميلغار، و«رئيس الجزيرة» (5/10) للأميركي جو شينك. المهرجان أخذ على عاتقه تقديم أفلام الصف الأول. لذا يستقدم الفيلم الروماني الشهير «خلف التلال» (5 و8/10) لكريستيان مونجيو الذي حاز جائزة أفضل سيناريو في «مهرجان كان» الأخير، كما يعرض «المطاردة» (4 و8/10) للدنماركي توماس فنتربيرغ الذي فاز بطله مادس ميكلسن بجائزة أفضل ممثل في «كان» أيضاً. أما من النروج، فتستكمل سلسلة أفلام الجوائز مع الشريط الرائع «أوسلو، 31 آب» (6 و7/10) ليواكيم تراير الذي فاز بجائزتي أفضل فيلم وأفضل تصوير في «مهرجان استوكهولم». ومن الأفلام المعروضة أيضاً «أحجار السفير» (5 و6/10) لواين بلير، و«علاقات خطرة» (7و9/10) للمخرج الكوري الجنوبي هور جين هو، و«مكتوب» للإسباني باكو آرانجو، فضلاً عن الفيلم الجدلي «أنا مثلي الجنس ومسلم» (4 و5 و8/10) للمخرج كريس بيلوني، فيما اختير لاختتام المهرجان فيلم Looper للشاب راين جونسون (11/10).
ومن الخليج، كان الإماراتي نواف الجناحي من القلة الذين تحدّوا الحظر غير المعلن على لبنان ليشارك بـ«ظل البحر» (البانوراما الدولية ــ 4 و7/10) الذي يقدم مقاربة جميلة للإمارات بين جيلين، مُظهراً التطور الذي لم يطرأ على شكل المدينة فحسب، بل على عادات شعبها الذي يعيش اليوم صراعاً بين التمسك بالهوية وبناء هوية جديدة كوزموبوليتية.
وجرياً على العادة، جرى تخصيص جائزة للأفلام الوثائقية (جائزة ألف) التي يتنافس عليها عدد من الأعمال من بينها «عيون الحرية... شارع الموت» (4 و9/10) للشقيقين أحمد صلاح سوني ورمضان صلاح، وقد اختارا أحداث شارع محمد محمود الشهيرة موضوعاً لفيلمهما، فيما قررت كاتيا جرجورة العودة إلى الانتخابات النيابية التي سبقت «ثورة 25 يناير» في شريطها «وداعاً مبارك» (6 و10/10). أما «البيت البرتقالي» (6 و9/10) لرامين فرنسيس الأسدي، فيستعرض سلاحف البحر المهدّدة بالانقراض على ساحل صور (جنوب لبنان). ومن الأفلام المرشحة للفوز بقوة «أمل» (4 و9/10) للإماراتية نجوى غانم. وفيما غابت هذا العام مسابقة الأفلام الروائية، تحضر الجائزة الثانية للأفلام القصيرة، ويتنافس عليها 11 عملاً من بينها «عالم متغيّر» (7 و8/10) لبيار سلوم الذي يقدم شريطاً مذهلاً عن اعتداءات 11 سبتمبر كأنه كان موجوداً فيها، معتمداً على الجهد التقني البحت. ومن الأفلام اللبنانية المنافسة «من بطولة جوليا» (4 و7/10) لإيلي فهد،  و«وتجوزنا...» (7 و8/10) لجو عازوري. ومن مصر، يشارك روماني سعد بـ«برد يناير» (4 و7/10)، فيما يشارك المخرج العراقي رزكار حسين بفيلم «بايسكل» (7 و8/10) الذي فاز بجائزتي أفضل فيلم وأفضل سيناريو في «مهرجان الخليج السينمائي» الأخير.. علماً بأنّ لجنة التحكيم تضم الناقد إميل شاهين، والمنتجة اللبنانية ريتا داغر، فيما ستُمنح جائزة للشريط الذي يختاره الجمهور عبر التصويت.
 ربما لم يكن المهرجان على قدر الآمال لناحية حجم التظاهرة التي حلمنا أنّها تكبر عاماً بعد عام، لكن في ظل الظروف التي شهدها لبنان والمقاطعة العربية والدولية التي تشمل حتى الإبداع، تعد إقامة هذا الحدث بحد ذاتها تحدياً لأعداء الثقافة ومتنفساً لمن قالوا للعالم أجمع: لنا مكان هنا.



«مهرجان بيروت الدولي للسينما»: بدءاً من السابعة مساء اليوم حتى 11 ت1 (أكتوبر) ـــ «سينما أبراج» (فرن الشباك ـــ بيروت) ـــ للاستعلام: 70/141843