بمنطق إثارة الخوف والذعر، عالجت حلقة أول من أمس من «تحقيق» (إعداد وتقديم كلود ابو ناضر هندي، إخراج فادي الحداد) على mtv موضوع تزايد أعداد الولادات السورية في لبنان. سؤال أساسي انشغلت به الحلقة (50 دقيقة) طيلة الوقت: «هل ستغيّر هذه الولادات الوجه الديموغرافي للبنان؟». منطق اعتدنا عليه في منبر المرّ، بحيث تغيب المعالجات العلمية والإحاطة الكاملة بالموضوع المطروح وتذهب الوجهة نحو الاستغلال والتوظيف السياسي.
بداية، يدقّ الإعلان الترويجي للحلقة ناقوس الخطر، كأنه يقول للبنانيين: عليكم الخوف والحذر من السوريين وولاداتهم: إنهم يتكاثرون. تقول لهم هندي في هذا البرومو: «مليونان والأعداد تزداد، الولادات ترتفع، هل سيتساوى عدد النازحين مع عدد سكّان لبنان؟».
بهذا النفس، سارت حلقة «تحقيق» عن النزوح السوري وأزمات الولادات والتسجيل وأيضاً الوفيات وأزمة المقابر. وبكثير من المبالغة التي تصل الى حدّ كاريكاتوري وتهريجي في موضوع حسّاس ودقيق كاللجوء السوري في لبنان، استهلّت كلود ابو ناضر هندي الحلقة بالقول: «أكثر من مليون ونصف مليون سوري موجودون على الأراضي اللبنانية والرقم يتضاعف إذا طالت الحرب في سوريا الى مليونين، ثلاثة، أربعة وستة وسبعة... لم لا؟».
تحدثت أبو ناضر عن الملايين كأنها في مزاد لا أمام أزمة إنسانية واجتماعية واقتصادية، قدرها أن دارت رحاها في لبنان حيث حالة اللبنانيين ليست أفضل بفعل نظامه الفاسد والمهترئ. توّزع فريق العمل على بقعتين لبنانيتين تحويان النازحين السوريين: منطقة وادي خالد في الشمال ومنطقة «الفاعور» في البقاع الأوسط.

حلقة مكرّسة للتخويف من عدد الولادات في مخيمات لبنان
كانت الكاميرا تدور على هذه العائلات وأطفالها كأنها تمارس عليهم دور الجلاد عبر التقاط صور حياتهم البائسة، وظروفهم القاهرة، وفي الوقت عينه، تردد على مسامع آبائهم وأمهاتهم «كم ولداً عندكم؟»، «لماذا تنجبون بهذه الكثرة؟»، «كيف ستعيّشونهم؟». لعلّ النقطة الأبرز التي اتكأت عليه الحلقة هي مقابلة بيرنا حبيب من جمعية «روّاد» التي تحدثت ـــ تبعاً لمواد في القانون اللبناني ــ أنّ السوريين المولودين حديثاً في حال لم يسجلوا، فإنهم تلقائياً يحقّ لهم المطالبة بالجنسية اللبنانية على خلفية «رابط الأرض». هذه الواقعة كانت مصدر انتعاش لمعدّي هذا التحقيق، فأخيراً صدقت توقعاتهم ومخاوفهم. مع ذلك، أصرّت الحلقة على بث المزيد من الذعر والرعب بالتنبؤ بأن أزمة الولادات واللجوء السوري لن تنتهي بانتهاء الحرب في سوريا، بل سيلزم هؤلاء «عشرات السنين للعودة» الى بلادهم. طبعاً استنتاج فذّ لم نعرف على أي قاعدة استند أو دراسة علمية!
في المحصلة، لم يجهد معدو هذا التحقيق على رأسهم هندي، في إضفاء مقاربة جديدة وعلمية لأزمة الولادات والوفيات السورية على الأراضي اللبنانية. تعامل هؤلاء معها على أنها مصدر للخوف وللترهيب ولخلق الكراهية بين شعبين، مكررين بذلك سيناريو اللجوء الفلسطيني في لبنان بخاصة مع طرح تساؤلهم في نهاية الحلقة «هل تنذر هذه الأزمة بواقع توطيني جديد؟».

«تحقيق» كل أحد 18:50 على mtv