القاهرة | هذه المرة، لم تستطع الدولة/ القضاء العسكري، توجيه التهم المعتادة للمعارضين للسلطة، كالانضمام إلى جماعة محظورة قانوناً (جماعة الإخوان المسلمين) أو التحريض على العنف تجاه عناصر الأمن أو منشآت الدولة. كذلك، لم تستطع السلطة توجيه التهمة الشهيرة بالاعتداء على ضابط وسرقة جهازه اللاسلكي التي وجهتها إلى الناشط المصري علاء عبدالفتاح.
كل تلك التهم لم توجه إلى حسام بهجت الصحافي في موقع «مدى مصر» (الأخبار٣٠/1/ ٢٠١٥ )، بل وجهت إليه اتهامات بـ «إذاعة أخبار كاذبة من شأنها إلحاق الضرر بالمصلحة الوطنية، ونشر معلومات تضر بالسلم العام» وفق المادتين ١٠٢ مكرر و١٨٨ من قانون العقوبات. وعليه، قررت النيابة العسكرية حبسه أربعة أيام على ذمة التحقيق.
بهجت الذي نشر العديد من التقارير اللافتة أخيراً، أبرزها يتعلّق بتدقيق معلومات عن إحباط انقلاب مزعوم داخل الجيش المصري لم تنشر عنه الصحف المحلية شيئاً، استُدعي أول من أمس إلى مبنى المخابرات الحربية. وظلّ هناك حتى اتصل بأصدقائه مساءً يبلغهم بنقله إلى مقر النيابة العسكرية، حيث سيخضع لتحقيق في تهم منسوبة إليه «بنشر معلومات من شأنها الإضرار بالسلم العام». وطلب حضور محامين معه من بينهم الحقوقي نجاد البرعي مدير «المجموعة القانونية المتحدة». الأخير قال لـ «الأخبار» إنّ وكيل النيابة الذي حقق مع بهجت كان على درجة كبيرة من الوعي بالقانون والاحترافية، وسمح بدخول عدد المحامين الذي يريده بهجت، وسجل أقوال الأخير من دون تعنت.
وقالت عضو «المجلس القومي لحقوق الإنسان» المحامية راجية عمران التي حضرت أيضاً التحقيق، إنّ وكيل النيابة وعد في بداية التحقيق بالإفراج عن حسام بعد التحقيق. لكنه عاد في نهاية التحقيق وطلب من المحامين الانتظار في الأسفل ريثما يبلّغوا بقرار النيابة. وقالت عمران لـ «الأخبار»: «نعرف جميعاً أنّ القرار ليس بيد وكيل النيابة».
ويؤكد نجاد البرعي أنّ هناك أزمة حقيقية في مسألة الحريات في مصر منذ «ثورة يناير»، لافتاً إلى أن التحقيق مع حسام بهجت ليس بعيداً عن المناخ العام الذي تعيشه مصر حالياً. ومنذ استدعاء حسام بهجت أول من أمس، بدأت حملات التضامن معه من منظمات دولية ومحلية وحقوقين وصحافيين كيسري فودة وباسم يوسف. وتصدر هاشتاغ «#متضامن_مع_حسام_بهجت»، قائمة «التريند» الخاصة بتويتر في مصر.
من جهتها، أدانت «جبهة الدفاع عن الصحافيين والحريات» احتجاز بهجت، مؤكدةً في بيان لها أن «ما حدث مع بهجت هي إحدى قضايا النشر التي تزايدت وتيرتها بشكل غير مسبوق في السنوات الأخيرة بذريعة الحفاظ على الأمن القومي وعدم إثارة الفتنة والبلبلة»، بينما كلفت نقابة الصحافيين محاميها لحضور التحقيقات مع بهجت. الصحافي الشاب (37 عاماً)، هو أيضاً مؤسس منظمة حقوقية مستقلة باسم «المبادرة المصرية للحقوق الشخصية»، وكان من أبرز الناشطين في حركة اسقاط مبارك. ومنذ 2014، تفرغ لكتابة تحقيقات استقصائية لـ «مدى مصر» أبرزها عن محاكمة عسكرية لخلية يشتبه بارتباطها بـ «جماعة انصار بيت المقدس» الجهادية، وآخر عن اطلاق سراح عشرات الجهاديين في مصر بعد «ثورة يناير».
وقال منسق «لجنة حماية الصحافيين» في الشرق الاوسط وشمال افريقيا شريف منصور إنّ «الجيش المصري يكشف عن ازدرائه لدور الاعلام المستقل بسلسلة اعتقالات لصحافيين».
وكانت «لجنة حماية الصحافيين» أشارت في تقرير صدر في حزيران (يونيو) إلى أنّ الصحافيين يواجهون «تهديدات لا سابق لها في مصر»، والتهديد بالسجن جزء من «مناخ تمارس فيه السلطات الضغط على وسائل الإعلام لفرض الرقابة على الأصوات الناقدة وإصدار وأمر بعدم التحدث عن موضوعات حساسة».