تونس | في مبنى قديم يقع في نهاية «نهج ابن خلدون» (شارع) المتفرع من شارع «الحبيب بورقيبة» في تونس العاصمة، يقع مقر جمعية «تعبير» التي تحتضن استوديو «بلاش حسّ» للتعبير الصوتي. أسس الاستوديو (يعني اسمه «من دون ضجيج» باللهجة التونسية) مجموعة من الشباب الناشطين في القضايا الثقافية والاجتماعية، وتقوم فكرته على توفير مكان لتسجيل التعبيرات الصوتية بجودة عالية ومن دون مقابل (بلاش)، حيث يتم تسجيل هذه التعبيرات وتوزيعها تحت رخصة المشاع الإبداعي.
بدأت فكرة «بلاش حسّ» تلبيةً لحاجة الكثير من المواهب الصوتية والموسيقية غير القادرة على تحمل كلفة تسجيل مشاريعها، وخلق مساحة تواصل بين هذه المواهب، وتقديم نتاج مبتكر ومجاني للجمهور، وصولاً إلى إنشاء «بنك أصوات تونسية» يستطيع أي معبّر صوتي تونسي إعادة استخدامها في مشروعه التعبيري
الخاص.
رفيق رزين، أحد مؤسسي المشروع، صرّح لـ«الأخبار» بأنّ الفكرة طالعة من «الواقع الثقافي الحالي الذي تعيشه تونس»، حيث «يواجه الموسيقيون والمغنون والمعبّرون الصوتيون صعوبات كبيرة لتسجيل مشاريعهم، كما أنّ نسبة كبيرة من مهندسي الصوت العاملين في الاستوديوهات ليسوا معتادين على التعامل مع الأنواع الموسيقية التي يمارسها الشباب اليوم كالريغي والراب والقناوة». ويشير رزين إلى ضرورة مشروع مثل «بلاش حس» في مشهد الإنتاج الموسيقي الثري بالمواهب الجديدة، لكنه يرى أنّ «تونس تعيش حالة استعمار ثقافي وموسيقي شرقي وغربي تفرضه قنوات فضائية تجارية، بينما لا يجد المبدعون فرصة ملائمة لإيصال أصواتهم».
إلى جانب مشاريع التعبير الصوتية، يؤمن الاستوديو شبكة لوجستية للتنسيق بين المبدعين والتقنيين، وتنظيم التسجيلات والعروض، والعمل على تطوير موقع المشروع على الشبكة العنكبوتية (blech7es.org)، إضافة إلى توثيق النشاطات على مدوّنته الإلكترونية (blech7es.blogspot.com)، وعلى صفحة الفايسبوك الخاصة به.
التسجيلات لن تكون محصورة بفئة صغيرة من المعبّرين، ولن تكون محصورة بتونس فقط لأنها متوافرة مجاناً على الإنترنت تحت «رخصة المشاع الإبداعي». وعن ذلك، يقول رزين: «طموحنا هو إتاحة حق الاستمتاع والاستفادة والتطوير. إذا أراد معبّر صوتي من خارج تونس استخدام مقطع غيتار باص لموسيقى راب عائدة إلى مُعبّر تونسي، يمكنه تسجيل نفسه في الموقع الإلكتروني للمشروع، وتنزيل المقطع المذكور كي يسجل مشروعه الموسيقي البديل باسمه مع الإشارة إلى مرجعية مقطع الغيتار المأخوذ من زميله التونسي». منذ تأسيسه كفكرة أولى، عملت المجموعة كفريق متكامل، وساهم كلّ واحد منهم بحسب اختصاصه في تنسيق المشروع والتصميم الغرافيكي والمونتاج وهندسة الصوت وبناء الاستوديو وعزل الصوت وتطوير موقع الانترنت. التمويل كان ذاتياً في البداية، ثم حصل المشروع على دعم من مؤسسة «نسيج ــ موارد للتنمية الشبابية المجتمعية في الوطن العربي».
منذ افتتاحه، تم تسجيل أربعة مشاريع صوتية لكلّ من: إم دي سي دو نور، وهو رابر من مدينة الكاف، نبيل غراش من بنزرت، تامر تونيزينو الرابر القادم من ضواحي العاصمة، وياسين آي فويس، وهو رابر فلسطيني مقيم في كندا، وتم تسجيل مشروعه أثناء زيارته إلى تونس. «الاستوديو مفتوح لكلّ معبر صوتي أو موسيقي متواجد في تونس، ومن دون أوقات عمل وبيروقراطية محددة مسبقاً» يقول لنا رزين.
التسجيلات الأربعة عُرضت في حفلة صغيرة أُقيمت في مناسبة افتتاح الاستوديو في 13 آب (أغسطس) الماضي، وشملت أمسية ارتجالية شاركت فيها الفنانة التونسية بديعة بوحريزي مع آخرين. عن هذه الأمسية، يقول رفيق رزين: «وجدنا الحماسة والطاقة الإيجابية في الجمهور والمعبرين الصوتيين الذين شاركوا في الافتتاح، وأبدوا سعادتهم بوجوده وتحمسوا لمساندته. وكما يُقال في العامية التونسية، جوّنا باهي».
لا يرى رفيق رزين أّن للمشروع بعداً سياسياً ما عدا قيمة الحق في التسجيل والتوزيع والاستماع المجاني للتعبير الصوتي. «المعبّرون أحرار في الحديث عن قضايا سياسية أو اجتماعية، أو عن جمال الطبيعة وأمواج البحر، لا دخل لنا في محتوى مشاريعهم الصوتية». أما تأثير المشروع على واقع التعبير الموسيقي والغنائي في تونس والجدوى المنتظرة من المشروع، فسوف تتم «عملية تقييم بعد خمس سنوات لمعاينة النتائج» على حد تعبير رزين الذي يؤكد أنّ مجموعة «بلاش حس» تنشغل حالياً «في البحث عن المعبرين واستقبال مشاريعهم في تونس، وتنسيق المشاركات القادمة من الخارج أيضاً».

blech7es.org