... وأخيراً، «أوركسترا طهران السمفونية» في بيروت. انطلاق الكلام بهذه الطريقة قد يوحي للقرّاء بغمز من باب سياسي ما. هذا غير صحيح. كل ما في الأمر أنّ الموعد المرتقب مع هذه الأوركسترا الإيرانية تعود فصوله إلى مطلع الصيف، عندما أعلنت «الجمعية اللبنانية للفنون ـــ رسالات» ما سُمِّي «برنامج مليتا الصيفي الفنّي»، وكان يضمّ من بين النشاطات أمسية لـ «أوركسترا طهران للشباب» في 14 تموز (يوليو) الماضي.
اعتصم الشيخ أحمد الأسير في عاصمة الجنوب، توترت الأوضاع الأمنية، فأعلن المنظمون تأجيل الموعد الموسيقي الإيراني. حُدِّد تاريخ ثانٍ لم يُعلن عنه، لكنّه تزامن مع زيارة البابا بنديكتوس السادس عشر إلى لبنان. وصلنا أخيراً إلى الموعد الثالث غداً السبت، مع تعديل أصاب الفرقة المستضافة. بدلاً من «أوركسترا طهران للشباب»، تزورنا نيابة عنها «أوركسترا طهران السمفونية».
اللافت في الحدث هو الخطوة الكبيرة التي تقوم بها «رسالات» على مستوى التنظيم الفني، إذ إنّ استضافة أوركسترا سمفونية (أكثر من 80 عازفاً) مسألة تتطلب جهوداً وخبرة سنوات في هذه المجال. فعلاً، هذا الحدث يُسجَّل لها. إذاً، وبسرعة قياسية، بلغت «الجمعية اللبنانية للفنون ــــ رسالات» مستوى المنافسة مع الجهات التنظيمية المحلّية التي تُعنى بالفنون عموماً. هكذا، دخل اسمها في التداول خارج نطاق المهتمّين على نحو مباشر بالشأن الفني من فنانين وإعلاميين، وذلك بفعل توالي النشاطات التي قدّمتها إلى الجمهور منذ مطلع العام الجاري تحديداً. بين سينما ومسرح وموسيقى ومعارض فنية، لم تهدأ الصالة التابعة لها في منطقة الغبيري (قرب السفارة الكويتية). طبعاً، لسنا نكشف سراً إن قلنا إنّ التوجّه الذي تعتمده «رسالات» ـــ وكما يمكن أن يلاحظ أي مراقب ـــ هو ثلاثي الأبعاد إسلامي/ شيعي/ إيراني. الفنانون التشكيليون الذين استضافتهم، إيرانيون، والأفلام كذلك (أو من إنتاج إيراني)، والفرق الموسيقية أيضاً إيرانية/ دينية. في عالم «طبيعي»، هذا يعدّ غِنى، لكن في عصرنا، حيث تحاصِر السياسة الثقافة والفنون، فإيران هي «النووي». هكذا يروِّج لها في الغرب، أو أنّ إيران تتدخّل في شؤوننا من باب «حزب الله». هكذا يراها فريق من اللبنانيين. وهذه الرؤية صحيحة، ومَن ينكرها من الفريق الثاني يمارس استغباءً لنفسه أولاً، لكن السؤال، لماذا يمنعنا رأينا السياسي مِن التعرُّف إلى ثقافات حضارة بأكملها والتمتع بها؟ لماذا إذا قلنا أوركسترا إيرانية، فنصف جمهور الكلاسيك من اللبنانيين يصاب بالقرف؟ هل إذا سمعنا بيتهوفن من أوركسترا إيرانية قد نشعر بعوارض تشيُّع؟ وإذا كانت «رسالات» تروِّج للفنون الإيرانية، فأين المشكلة؟ ألا يروِّج المركز الثقافي الفرنسي لثقافته؟ أليست فرنسا تتدخل في شؤوننا، وقبل إيران بعقود؟ فليأتِ أعداء الغرب إلى المركز الثقافي الفرنسي ويشاهدوا فيلماً أو يستمعوا إلى فرقة موسيقية... وليأتِ أعداء إيران إلى «رسالات» ويشاهدوا مسرحية أو معرضاً. فهذه هي الطريقة الوحيدة للتخلص من التدخّليْن الإيراني والفرنسي وسواهما.
تأسّست «أوركسترا طهران السمفونية» مع الثورة الإسلامية في إيران (1979). إذاً هي حديثة نسبياً. في رصيدها عدد كبير من الحفلات، وخصوصاً في إيران. وهذه هي المرة الأولى التي تزور فيها ليس لبنان وحسب، بل العالم العربي أيضاً. إحدى أبرز خصائص هذه المجموعة الأوركسترالية أنها تدرج الريبرتوار التراثي الإيراني ضمن أولوياتها. في أمسيتها في «الأونيسكو» ستؤدي الأوركسترا في القسم الأول من البرنامج مجموعة من المقطوعات الأوركسترالية الإيرانية المصدر، يتخلل بعضها غناء. بعد الاستراحة، تقدّم أشهر افتتاحية أوركسترالية لبيتهوفن (1770 ـــ 1827)، أي Egmont، ثم Lezghinka من باليه «غايانيه» للسوفياتي آرام ختشاتوريان (1913 ــــ 1978)، إضافة إلى «يا حرية» للأخوين رحباني، ونشيد «رجال الله» لجورج حرّو وغيرها.



«أوركسترا طهران السمفونية»: 8:30 مساء غد السبت ــــ «قصر الأونيسكو» (بيروت) ـــ للاستعلام: 71/104745