«أحد أكثر الفنانين حيوية وديناميكية في الأداء الحي اليوم. شاهده الملايين مع سيلين ديون وجاستن بيبر...». إلى هذه الكلمات تضاف بضعة أسطر تستعرض الجوائز التي حازها أو ترشّح لنيلها وغيرها من معلومات عن مسيرته الفنية، وردت في البروشور الخاص بالدورة الخامسة لـ «مهرجان بيروت للجاز». نحن نتكلّم عن عازف الترومبت (والبيانو أيضاً) والمؤلف الموسيقي الكوبي، أرتورو ساندوفال، الذي يحيي الليلة المحطة الثانية من المهرجان. الأمر فعلاً لا يُصدَّق!
استفسرنا لدى المنظمين، فقالوا: «هذا ما أراده الرجل من معلومات لتعرِّف عنه». زاد ذلك مِن عجَبنا. هل يُعقل؟ أرتورو ساندوفال بات يستعين بسيلين ديون وجاستن بيبر للترويج لنفسه؟ الأمر أشبه بالمثل العبثي التالي: تخيّلوا أنّ شركة الـ «بورش» الألمانية أطلقت إعلاناً ترويجياً تقول فيه: اشتروا سياراتنا، فمحرِّكها صنع في كوريا، وتصميمها تايواني! يا ناس، هذا الرجل كان الحجر الأساس في فرقة ديزي غيلسبي. قدّم معه ومع غيره أجمل لحظات الجاز في الربع الأخير من القرن العشرين. اتكل عليه غيلسبي لبلوغ نوتات على الترومبت لا يقوى على استخراجها من هذه الآلة غيره. والدليل هو عندما قدّمت Dizzy Gillespie All-Star Big Band حفلتها في «مهرجانات بيت الدين» هذه السنة وعزفت A Night In Tunisia. حاول أبرز عازف ترومبت في الفرقة أن يطال الأوكتاف الرابع في الجملة الموسيقية الشهيرة، التي تُختتم بها المقطوعة، وفشِل! صرخ أحدهم: هذه من اختصاص أرتورو ساندوفال. يا مسكين! هذه «الماركة الموسيقية المسجّلة»، شكلت مادة لمشهد كامل في الفيلم الذي يروي سيرة ساندوفال For Love or Country (راجعوا الرابط المرفق على موقع «الأخبار»). ساندوفال من الموسيقيين المهمّين الذين يسخرون قدراتهم أحياناً للعمل مع رموز الأغنية السطحية (سيلين ديون، جاستن بيبر،...) لأسباب مادية ربما، لكن التفسير الوحيد لاختياره التعريف عن نفسه من هذه الزاوية، هو أنه قد يكون اطلع على المكان الذي سيقدِّم فيه حفلته، فأدرك أنّ هذا المناخ البلاستيكي لن يجذب محبّي الجاز، بل مريدي جاستن وسيلين.
إذاً اليوم لقاءٌ مع أرتورو ساندوفال وفرقته في «أسواق بيروت». بالمناسبة، إن احتفاءنا المبالغ فيه بهذا الفنان ذو سببين: الأول عدم وجود منافس له في المهرجان. والثاني أنّ ساندوفال من عمالقة العزف على الترومبت في الجاز اللاتيني والبي ــ بوب، لكنّ هذا لا يجعله أسطورة تفوق الوصف. الرجل لا غبار على تقنياته وإحساسه في العزف، لكن عندما يأتي الحديث عن التأليف أو مدارس الارتجال والمرتجلين الخطيرين، ينتقل ساندوفال إلى الصف الثاني فوراً.
ولد أرتورو ساندوفال في كوبا عام 1949. أحب الجاز والموسيقى الشعبية اللاتينية، ومثّل لقاؤه الراحل الكبير ديزي غيلسبي أهم حدث في مسيرته الفنية. إنّه موسيقيّ يجيد لعبة البي- بوب، والأفرو ــ لاتين جاز والموسيقى الكوبية أو اللاتينية عموماً، مضيفاً إلى ذلك مساهمة متواضعة في مجال الموسيقى الكلاسيكية الغربية، كما أنه غزير الإنتاج، أصدر عشرات الألبومات باسمه أو إلى جانب موسيقيين ومع فرق كبيرة. وعلمت «الأخبار» أنّ ساندوفال سيقدِّم برنامجاً يجمع بين كلاسيكيات من تأليف ديزي غيلسبي ومقطوعات من تأليفه، وسترافقه فرقة ثلاثية كلاسيكية (بيانو، باص ودرامز)، كما سيشرك في حفلته موسيقيَّين محليَّيْن، هما عازف الإيقاعات روني برّاك (فكرة جيّدة بالأخص إذا أتت في أجواء لاتينية) وعازف البيانو أرتور ساتيان.

أرتورو ساندوفال: 21:00 مساء اليوم ـــ «أسواق بيروت» ــ للحجز: 01/999666



الحفلة الأنجح

برنامج الدورة الخامسة من «مهرجان بيروت للجاز» أصابه تراجعٌ نوعي لأسباب يقول المنظمون إنها مادية وأمنية على السواء. هكذا لا يمكن الحديث عن جاز بمعناه الحقيقي إلا في أمسية عازف الترومبت أرتورو ساندوفال، بخلاف الافتتاح مع فرقة «المدار» والختام المخصّص لموسيقى وأغنية البوب والفولك البريطانية المعاصرة والتجارية، مع المغني الشاب شارلي وينستون (29/9) الذي يملك في رصيده المسجّل ثلاثة ألبومات فقط، آخرها Running Still (2011). قد تكون هذه الحفلة الأنجح في المهرجان، لكن لا يمكن التعويل عليها للقول إننا شهدنا مهرجاناً ناجحاً خاصاً بموسيقى الجاز.