القاهرة | في ختام فيلم «غزل البنات» (1949)، يقف عبد الوهاب بين أعضاء فرقته الكبيرة ليغني تحفته «عاشق الروح». لكنّ ثمة سبباً آخر لشهرة المشهد، يتجاوز ندرة اجتماع نجيب الريحاني وليلى مراد ويوسف وهبي في لقطة واحدة. اشتهر المشهد بسبب صورة الملك فاروق المشوّشة فوق رؤوس الفرقة. كانت تعليمات الضباط الأحرار أن يستبعد كل من ــ وما ــ له علاقة بـ«العهد البائد». حتى إن ذلك المنع طاول عبد الوهاب نفسه وأم كلثوم لبعض الوقت. كانت صورة الملك في مكانها عند عرض الفيلم في الصالات قبل ثلاثة أعوام من ثورة يوليو.
لكن التلفزيون المصري الذي تأسس عام 1960، بدأ يعرض النسخة المموهة التي تظهر فيها ــ بدلاً من وجه فاروق ــ خربشات متحركة بين الإطارات الملكية المذهبة. لاحقاً، عثرت «روتانا زمان» على نسخة لم تحذف منها صورة الملك الشاب، وهي النسخة المعروضة بغزارة على يوتيوب. «فاروق غزل البنات» مجرد نموذج لحالات حذف وتلاعب على مدار تاريخ التلفزيون. حالات تحكمت بها تقلّبات السياسة. ثمة أفلام لم تعرض وأفلام حذفت مشاهدها أو نهاياتها، ومرت سنوات لم يظهر فيها وجه عبد الناصر إلا في الاحتفالات السنوية لثورة يوليو التي تحولت تدريجاً إلى فعاليات خجولة مقارنة باحتفالات حرب أكتوبر 1973. إلى الأذهان، عادت سيرة الحذف السياسي عند عرض «فرقة ناجي عطا الله». ترددت شائعة ادعت أنّ رقابة «ماسبيرو» طلبت حذف صورة الرئيس المخلوع مبارك من بعض مشاهد المسلسل. نفى بطل العمل عادل إمام الشائعة، لكن مبارك عاد إلى الصورة مع تردد أنباء عن أنّ رقابة التلفزيون رفعت مذكرة إلى وزير الإعلام الإخواني صلاح عبد المقصود، تطلب فيها «تحديد مصير الأعمال الفنية التي تحوي صور الرئيس السابق التي يبلغ عددها 30 ألف فيلم ومسلسل»، طبقاً لصحيفة «الوطن» التي أضافت أنّ لقطات الأحداث التي يظهر فيها الرئيس المسجون مسجّلة على 300 ألف شريط!
قد تبدو الأرقام مبالغاً فيها قبل تذكّر أن مبارك هو الرئيس الأطول في مدة الحكم منذ محمد علي باشا مؤسس مصر الحديثة، وأن حكمه الممتد 30 عاماً يساوي نصف عمر الحكم العسكري منذ ثورة يوليو. طوال تلك السنوات، لم تخل نشرة أخبار من صور أو لقطات للرئيس الذي تصدّر أخبار الشاشات الرسمية. بعد حساب الأيام والساعات والنشرات والقنوات، تبدو الأرقام منطقية أكثر. من المستبعد أن يعود الحذف بصيغة ما قبل عصور الفضائيات المفتوحة، لكن الرئيس المخلوع نفسه ينزوي يوماً بعد آخر عن اهتمام الإعلام. بحكم الأمر الواقع والأحداث المتلاحقة، يبتعد مبارك وصورته رويداً كأنّه لم يكن يوماً هنا.