تونس | التعزيزات الأمنية التي غصّ بها شارع الحبيب بورقيبة في وسط العاصمة لم يشهدها الشارع التونسي حتى قبل «١٤ يناير» 2011. هذه التعزيزات المشددة ظهر الجمعة الماضي كانت تهدف إلى حماية القنصلية الفرنسية من الاعتداءات السلفية المحتملة، رداً على الرسوم التي نشرتها «شارلي إيبدو» (الأخبار 20/9/2012).
وبقدر ما سعد التونسيون بقدرة الأمن على السيطرة على الوضع، زادتهم حالة الاستنفار الاستعراضية خوفاً من المستقبل. هذا الخوف أصبح السمة التي تخيّم على الحياة اليومية هنا؛ فالشريط الوثائقي «لا خوف بعد اليوم» لمراد بالشيخ لم يتنبأ على ما يبدو بحقيقة ما سيحدث في تونس بعد الانتخابات ونجاح الترويكا بقيادة «النهضة» التي فشلت في إقناع التونسيين بأنّها فعلاً حكومة ثورة. المكسب الوحيد الذي حققته الثورة، وهو حرية التعبير والصحافة، أصبح مهدداً بجدّ. ونتيجة لذلك، دعت «النقابة الوطنية للصحافيين التونسيين» إلى جلسة عامة استثنائية (الثانية في أقل من شهر ونصف) تقام غداً الثلاثاء لتحديد موعد لإضراب عامّ سيكون الأول في تاريخ تونس بالنسبة إلى الصحافة، احتجاجاً على تجاهل الحكومة لمطالب الصحافيين ونزعة الهيمنة على القطاع بعدم تفعيل المرسومين ١١٥ و١١٦. هذه الممارسات عدّها الصحافيون محاولات لإعادتهم إلى بيت الطاعة الذي عاشوا فيه ٢٣ عاماً.
في المقابل، تتساهل الحكومة مع السلفيين الذين أصبحوا يتحدون الدولة علناً، وهو ما لم تعرفه تونس طوال تاريخها. لقد سمح هذا التساهل بأن ينغّص السلفيون الحياة التونسية الجميل، وأثارت استعراضاتهم واستهدافهم للحريات ردود فعل المبدعين الذين يتهمون «النهضة» بالتستر على هؤلاء. وفي هذا السياق، أسس بعض المبدعين، منهم الشاعر أولاد أحمد، والمسرحيون رجاء بن عمار والحبيب بلهادي والمنصف الصايم ونور الدين الورغي تنسيقية تهدف إلى الدفاع عن الحرية ضد ثقافة الخوف التي تغرق البلاد. وقد سموا تنسيقيتهم «يقظة وحرية»، وأصدروا بياناً دعوا فيه القوى المدنية إلى التجند للدفاع عن الحرية.
من جهتها، أصدرت الأكاديمية رجاء بن سلامة المستهدفة من صفحات أنصار حركة «النهضة» والسلفيين مع عدد من الفنانين، مثل فتحي بن سلامة وعلي المزغني والفاضل الجزيري وعبد الوهاب المؤدب، بياناً دعوا فيه الحكومة إلى الاستقالة بعد فشلها في تحقيق أي إشارات اطمئنان للشعب الذي أصبح «خائفاً» على مكتسباته التي حققها عبر أجيال ناضلت من أجل دولة مدنية ديموقراطية. ورأى الموقعون أنّ تونس تنزلق تحت الديكتاتورية الدينية بكل ما تعنيه من خراب لا يليق بتونس التي فتحت أفقاً جديداً للعالم العربي أساسه الحرية والديموقراطية...