في غاليري Artheum، وبالتعاون مع «آرت لاونج»، انطلقت الدورة الأولى من «معرض بيروت للصور الفوتوغرافية» الذي يطمح منظّموه إلى دعم فنّ التصوير الفوتوغرافي المعاصر، وتأمين فضاءات للتلاقي بين المصورين والجمهور، وجعل بيروت واحدة من عواصم الصورة الفوتوغرافية.
يضم المعرض أعمالاً لأكثر من ستين مصوراً من لبنان، وفرنسا، وبلجيكا، وإيران، والمغرب، وسوريا، وتايلاند، واليابان. لا تتشارك الأعمال المعروضة في ثيمات محددة، إلا أنّ بيروت حاضرة في أعمال مصورين لبنانيين، وفي صور مشاركين عرب وأجانب سبق لهم أن زاروها، بينما خُصصت مساحة منفصلة تحت عنوان «كواليس السينما الإيرانية»، وعُرضت فيها أعمال لأربعة مصورين إيرانيين، ومنهم حبيب ماجدي الذي اختار صوراً من فيلم «انفصال» للمخرج أصغر فرهادي الذي حصد مؤخراً جائزة «الدب الذهبي» في «مهرجان برلين»، وأوسكار أفضل فيلم أجنبي .
المصورون اللبنانيون هم الأكثر حضوراً، مع غياب ملحوظ لأسماء عدد من المخضرمين في فن الصورة. غيابٌ غير مبرر ربما، لكنه فتح المجال أمام مواهب جديدة كي تعرض أعمالها لأول مرة إلى جانب مصورين محترفين، وبين هؤلاء الهواة فنانون قادمون من خلفيات متعددة، مثل قطاعات السياحة، والتجارة، والأعمال.
في جولة على المعرض، يمكن الانتباه إلى تميز عدد من اللبنانيين، كما في أعمال المصور وليد رشيد الذي زار مناطق عديدة في قاراتٍ مختلفة، ليلتقط مشهديات طبيعية لا تزال بعيدة عن تشوهات العمران الحديث، وهو ما نراه في صوره عن براكين أندونيسيا، وأرياف لاوس، بينما يحتفي جورج زوين بالعري البشري المعرّض لإضاءة خاصة تعيد نحت تضاريس الجسد. بين أعمال ديان محرز، نرى رجلاً في شارع مع انعكاساته المتعددة على ألواح الزجاج التي تمنح اللقطة أبعاداً إضافية تُغني اللحظة العابرة للزمن. ونجد أعمالاً واعدة للمصورة الشابة فلوريان حسيني (1997)، وخصوصاً في صورة «مباشرةً إلى الجنة» الملتقطة في كينيا، وتظهر فيها أرض جرداء شاسعة، بينما تتحرك شاحنة في الأفق. أما كريستيان كارل كتفاغو، المصور المتعدد الجذور ومنها اللبنانية، فيعرض صوراً مدهشة بالأبيض والأسود للبحر المتوسط وارتطام أمواجه بالشاطئ اللبناني.
في موازاة المشاركات المحلية اللافتة، تستوقفنا تجارب عربية وأجنبية، ومنها أعمال المصور التونسي المقيم في فرنسا جان مارك غاراسي الذي يعرض صوراً بالأبيض والأسود من سلسلة Homo Urbanus Europeanus التي تُظهر كل واحدة شخصاً وحيداً، وسط هندسة معمارية أو مدينية. وتشدنا لقطات الفرنسي لوران كوستانتيني الملتقطة في بيروت لبعض الأشكال والمفردات الغرافيتية على جدران العاصمة اللبنانية وبرلين. ويقدم الفرنسي ستيفان لاغوت سلسلة من الصور الصغيرة التي تعرض متلاصقة ومتتالية على شكل فيلم تسجيلي أو توثيقي تحت عنوان «مذكرات بيروت». ولعل أكثر المشاركات إثارة في المعرض، هي أعمال المصورة السورية أنجيليك سانوسيان التي تعمل أساساً في مجال التسويق والتجارة، لكن بعدما تلقت دروساً في التصوير الفوتوغرافي في سوريا وبريطانيا، انطلقت نحو التصوير لتصبح كائناً جديداً خلف عدسة الكاميرا، بحسب تعبيرها. قد يكون أسلوب سانوسيان كلاسيكياً وتقليدياً، بالأبيض والأسود، لكنها استطاعت في أعمالها الثلاثة أن تلتقط أحاسيس وأمزجة البشر الذين أسرتهم في عدستها. في الصورة الأولى، تترك لبياض الأرض الرخامية المساحة الأكبر من القسم السفلي للصورة، كي تسمح لنا بأن نرى في القسم الأعلى نساء محجبات جالسات على الأرض، فيما الرجال خلفهن في وضعية الوقوف، ولا تبدو لنا سوى أرجلهم، بينما واحدة فقط من أولئك النسوة تحاول أن تعدل وضعية الحجاب على رأسها، أو تحجب الشمس عن وجهها، وهي تنظر مباشرة إلى عين العدسة وعين المتفرج في الوقت نفسه. كأن المصورة تسرق لحظة خارجة من السياق العام للصورة. انطباعٌ يتكرر في الصورتين الأُخريين اللتين تظهر إحداهما جمعاً من النساء مع أطفال، بينما تُظهر الثانية شاباً يتكئ على سياج حديدي، ويحيط به أشخاص آخرون.
في المحصلة، يشكّل «معرض بيروت للصورة الفوتوغرافية» مساحة ضرورية للقاء الفنانين، ولقاء هؤلاء مع الجمهور العريض. كما أنّ تخصيص مساحة لتجارب الهواة والشباب يسهم في تطوير أدوات هؤلاء، ويمنحهم الفرصة لبيع أعمالهم بأسعار مقبولة.



«معرض بيروت للصور الفوتوغرافية»: حتى 30 أيلول (سبتمبر) ـــ غاليري Artheum (الكرنتينا) ــ للاستعلام: 71/781783