القاهرة | لا أحد يعلم مصير الدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء المصري، هشام قنديل، في بيان أصدره أول من أمس، ودعا فيه رسامي الغرافيتي للنزول الى ميدان التحرير أمس الجمعة وتحويله إلى ساحة تليق بشهداء الثورة وإلى مزار سياحيّ ومنبر لحرية الرأي من خلال لوحات تعكس روح «ثورة 25 يناير». دعوة قنديل جاءت بعد أقل من 24 ساعة على إزالة عمّال محافظة القاهرة اللوحات الجدارية التي كانت تزين «شارع محمد محمود» المؤدي إلى الميدان في خطوة وصفت بـ«عملية محو» لصور شهداء الثورة.
وحدهم شباب «حزب الحرية والعدالة» (التابع لجماعة الإخوان المسلمين) نزلوا الى الميدان فجر الجمعة لإزالة الرسوم الجديدة التي خطّها فنانو الغرافيتي وسخروا فيها من شعارات الإخوان ومقولات الرئيس محمد مرسي عن مشروع النهضة المرتبط ببرنامجه الانتخابي. فيما وجدت تصريحات قنديل ذاتها استجابات مضادة أطلقها نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي، مثلها في ذلك مثل تصريحات وزير الشباب الإخواني أسامة ياسين الذي طلب من الفنانين رسم غرافيتي على جدران مراكز الشباب التابعة للدولة!
يرى نشطاء الثورة أنّ محتوى تلك الدعوات هو تسليع الفعل الجمالي للثورة، بحيث يسهل الخلط بين عمليات التجميل والاعتداء على ذاكرة ارتبطت بالمكان وبأيقونات الشهداء. حتى إنّ النشطاء تبادلوا صورة لأيقونة الفايسبوك المعروفة باسم «اساحبي» يسخر فيها من القمامة المنتشرة في مصر، متسائلاً: «محدش هيشيل الغرافيتي ده ولا ايه؟». لم يفهم رئيس الحكومة طبيعة فنّ الغرافيتي، إحدى أبرز علامات الثورة التي كانت أساساً «ثورة خيال». ربما تعثر مسارها، لكنّ حرّاس خيالها ما زالوا في الميدان وتمكّن فنانو الغرافيتي من مواجهة عملية المحو وإعادة الرسوم الى الشارع.
ارتبط الغرافيتي بالثورة المصرية وبحركاتها الاجتماعية، وعلى رأسها الـ«التراس». وإذا كانت مهمة الحكومة هي التخلّص من مطالب الثورة، فإنّ ذلك يعني ملاحقة الغرافيتي بعدما مثّل خطراً، لكونه متاحاً للجميع على حد وصف الصحافي أحمد ناجي في دراسته اللافتة «يحيا الفن الزائل».
الفنانون الذين نجحوا في استعادة الشارع لم يتوقفوا أمام الجدل الرخيص الذي صاحب عملية إزالة الرسوم، إذ تنصلت الدوائر الحكومية من القرار، وفضلت اعتبار «فعل المحو» استجابةً لمطالب الجامعة الأميركية في القاهرة التي أرادت وفق هذا الزعم تجميل جدران مبانيها الواقعة في «شارع محمد محمود». الزعم المغلوط الذي تبنته الحكومة يتناقض مع الدعم الذي قدمته الجامعة لمبادرات هدفها الحفاظ على جداريات الشارع المطل على ميدان التحرير. كما يكشف عن جهل بفن الغرافيتي وتقنياته التي لا يهددها الزوال، بل يمنحها فرصاً للتجدد والابتكار. هذا ما يشير إليه ببلاغة فيلم قصير أنجزته أخيراً مجموعة «مصرين» السينمائية، ناجحةً في توثيق الثورة، وصولاً إلى رصد فعل المحو. شريط «امسح كمان يا نظام جبان» يظهر صوت فتاة تسخر من العامل الذي يزيل صور الشهداء فتقول له «في حتة من وش الشهيد لسه باينة». وبعد أن يستعرض عملية الإزالة، ينتهي بفعل مقاوم يتمثّل في إعادة الرسم: تظهر عبارة يكتبها فنان غرافيتي على الجدار نفسه هي: «تعيشوا وتدهنوا» وعبارات أخرى منها «تمسحها من تاني. هأرسمها من تاني»، و«عضامي فرشتي ومن دمي ألواني». التعبير البلاغي الدال يلخص لعبة القطّ والفأر التي اشتعلت بين ممثلي النظام الجديد وشباب الثورة الذين أعادتهم معركة الغرافيتي الى الشارع، وبدا للجميع أنّ الجدران ستكون ساحة لحروب الكلام في الفترة المقبلة.



توثيق الغرافيتي

يحتفل فنانو الغرافيتي في السابعة والنصف من مساء اليوم في ساحة ميدان طلعت حرب قرب «مكتبة الشروق» بإصدار كتاب: «الجدران تهتف ــ غرافيتي الثورة المصرية» الذي يوصف بأنه أول عمل توثيقي عن غرافيتي الثورة من ك2 (يناير) ٢٠١١ حتى حزيران (يونيو) ٢٠١2. لكنّه وصف غير دقيق، إذ سبقه الى الأسواق كتاب مصوّر للقاصّ شريف عبد المجيد أصدرته «هيئة الكتاب» في ك2 (يناير) الماضي بعنوان «أرض أرض». لكن الكتاب الجديد، بحسب أصحابه، يحفظ جزءاً ثقافياً وثورياً مهماً ضمن مرجع فوتوغرافي لأعمال العديد من الفنانين والنشطاء في الغرافيتي. ومن المقرر أن تعود أرباحه لدعم مجموعة «مصرين»