في الفترة الأخيرة، بتنا نشهد إعادة إحياء فنية للمساحات العامة في بيروت. هكذا توافد جمهور غفير ومتنوع على درج «الفاندوم» في منطقة مار مخايل النهر بدعوة من «مجموعة كهربا». على مدى ثلاث ليال، توزعت فعاليات مهرجان «نحن والقمر والجيران» على الدرج، والمساحة العامة التي تجمع سكانه، وسطوح المنازل، وفي الحدائق الصغيرة والساحات المتفرعة من الدرج.
كذلك، احتصن قارب صيد صغير عدداً من المشاركين في العروض الاحتجاجية «هذا البحر لي» التي قادتها تانيا خوري ومجموعة «الدكتافون» وأبحروا في موازاة شواطئ بيروت المستملكة، مطالبين بإعادة البحر وشواطئه إلى الشعب اللبناني. وها قد جاء اليوم دور تلك المساحة الخضراء الأكبر في العاصمة اللبنانية. إنّه «حرش بيروت» الذي احترق جزء كبير من أشجاره خلال الحرب الأهلية. وبمساعدة من منطقة «ايل دو فرانس»، قامت بلدية بيروت بإعادة تشجيره، لكن أيضاً بغلقه ومنع دخوله إلا من قبل حاملي التصاريح الاستنسابية التي لا معايير واضحة لها. خلال أحد اللقاءات الداعية إلى إعادة فتح الحرش، أعرب رئيس بلدية بيروت بلال حمد عن خشيته من أن يحوّله المواطنون إلى «جلسات أركيلة، وباربيكيو»! غير أن جمعيات مدنية عدة عملت وما زالت تعمل على دفع البلدية إلى إعادة فتح الحرش، أولاها جمعية «نحن».
وأخيراً، أطلقت «نحن» مع عدد من جمعيات المجتمع المدني عريضة إلكترونية تطالب بلدية بيروت «بفتح حرش بيروت أمام المواطنين من دون استثناء وإعلان تاريخ محدد لذلك». وبدءاً من اليوم حتى الجمعة، أطلقت الجمعية حملة تدعو فيها أهل بيروت إلى توقيع العريضة في نقاط عدة موزعة بين الحمرا، والأشرفية، والجميزة، والروشة، وعين المريسة.
جمعية «السبيل» التي التزمت منذ فترة مشروع إحياء المكتبات الوطنية على الأراضي اللبنانية، تكسر اليوم الجدار المقفل على حرش بيروت، وتعلن دعوة عامة ومجانية لزيارة الحرش، والاستمتاع بعروض فنية متنوعة... فهل تكون تلك الخطوة الأولى نحو إقناع بلدية بيروت «بحضارة» رواد الحرش، فلا يقفل أبوابه مع انتهاء المهرجان؟
في ظل تجاهل الدولة والبلدية لحاجة المواطن إلى مساحات عامة، ومجانية يستطيع فيها أن يتنزه مع عائلته خصوصاً إذا كان دخله لا يسمح له بارتياد أسواق بيروت، والزيتونة باي... تؤدي الجمعيات المدنية دوراً مهماً في سد تلك الثغرة. وإذا كان العائق أمام إعادة فتح «حرش بيروت» اليوم هو قرار من بلدية بيروت، فإن مساحات أخرى كثيرة متوافرة في العاصمة يجب منحها للقطاعات الثقافية العاملة في البلد، لتحويلها إلى مراكز ثقافية بدلاً من أن تبقى مقفلة، أو تتحول إلى ثكن للجيش. هكذا حصل في دول كثيرة في أوروبا ما بعد الحرب العالمية الثانية، كفرنسا وألمانيا. بقرار من الدولة، تحوّلت معامل سابقة للأسلحة ومبان مهجورة، إلى مسارح ومتاحف ومراكز ثقافية.