هناك أصوات تطبع الذاكرة الموسيقية وتصبح جزءاً من إرثها. لطالما أثارت داليدا (1933 ــ 1987) الفضول، إن بمسيرتها الفنية الصاخبة بالنجاحات، أم بحياتها الشخصية التي لم تفارقها المآسي، حتى أودت بها الى الانتحار ذات يوم من أيار (مايو) 1987. مَن غنّت «أريد الموت على الخشبة»، أنهت حياتها بجرعة زائدة وحيدة في غرفتها، تاركة رسالة دوّنت فيها: «لست قادرة على تحمّل الحياة... سامحوني».
شقيقها أورلاندو أخذ على عاتقه مواصلة إعادة إصدار ألبوماتها، متمسكاً بالعثور على أغنيات منسية لم تخرج يوماً الى العلن. وفي مناسبة الذكرى الـ 25 على رحيل ابنة شبرا في أيار (مايو) الماضي، أصدر مجموعة أسطوانات مخصصة لها. مرفقةً بـ«بورتريه» أنجزه الكاتب والصحافي فيليب لابرو، جاء فيه: «عندما نرى الصور، ونسمع مجدداً أغانيها التي تخطّت اختبار الوقت، وإذا ما استندنا إلى استفتاء أجرته شركة «إيفوب» عام 2001 حول الشخصيات الأكثر تأثيراً في القرن العشرين، يمكننا أن نفهم على نحو أفضل اليوم لماذا وضعها الفرنسيون والفرنسيات في المقام نفسه كالفنانة الكبيرة بياف».
أكثر من قدراتها التقنية الصوتية، اشتهرت صاحبة المصير التراجيدي بلون أو «تامبر» صوتها المميّز. حاولت فنانات كثيرات تقليد لكنتها الشهيرة وهذا الصوت الفريد الذي تتعرف إليه تواً من بين آلاف الأصوات. عدد كبير منهن وجّه تحيّة للفنانة الإيطالية المصرية الأصل التي لم تخف يوماً تفضيلها لفرنسا، كما تقول في أغنية «لا ميستانغيت»: «أفضّل جوزفين على كليوباترا، مينيلمونتان على الفاتيكان». كانت اللغة الفرنسية الأحبّ على قلبها، حتى أضحت من أبرز أعلام الأغنية الفرنسية في سبعينيات القرن المنصرم وثمانينياته.
تبرز حالياً في أوروبا أسماء عدة بنت شهرتها على استعراضات قدّمتها تحية إلى داليدا مثل جون بلوتو وكلودين كارل، الى جانب ساندي سيمز التي تقدّم عرضها مساء غد في Life Beirut. لماذا اختيار سيمز تحديداً من بين المؤديات الأخريات لداليدا في العالم؟ هذا السؤال طرحناه على منظّمي الحفلة من جمعية IDRAAC التي تعنى بالصحة النفسية وتقيم الأمسية للتوعية ضدّ الإحباط. جاءنا الجواب أنّ ساندي سيمز تعتبر من أبرز الفنانات اللواتي يجلن حالياً العالم لتقديم الحفلات إحياءً لذكرى الـ«ديفا». هي لا تكتفي بتأدية الأغنيات ببساطة، بل تحاول إعادة تكوين عالم الفنانة الراحلة عبر استعراض تبلغ مدته ساعتين، تستعيد خلالهما نحو 40 من نجاحات داليدا، مع موسيقى تعزف مباشرةً وملابس تتبدّل مراراً و5 راقصين على المسرح. كما أنّ الفنانة الأربعينية جذبت أعداداً كبيرة من محبي داليدا في حفلاتها الفرنسية الأخيرة التي قدّمتها في مدينة كان. وعندما ننظر الى سيرة سيمز، ندرك أنّها تحمل سنوات من الخبرة في مختلف المجالات الفنية الاستعراضية، جعلتها تجرّب المسرح والغناء في الكاباريه والرقص والتمثيل وحتى التهريج! وبمعزل عن عرضها «داليدا تعود الى الحياة» الذي سنشاهده في بيروت، سبق لسيمز أن قدّمت استعراضات استعادت فيها فنانات أخريات كمادونا والمغنية الفرنسية شيلا.
ليس سهلاً تقديم تحية إلى فنانة بهذا الحجم، أصدرت نحو 2000 أغنية في 10 لغات، وباعت أكثر من 40 مليون ألبوم في العالم. فكثيراً ما يقع فنانو هذا النوع من العروض في فخ التقليد المبالغ، وينسون أن لمسة الفنان الشخصية خلال استعادة نجاحات سابقة هي ما تميّزه عن غيره... فهل نجحت سيمز في تجنّب هذا الفخ؟ الجواب نراه بالصوت والصورة غداً!



«داليدا تعود إلى الحياة»: 8:00 مساء غد الأحد ـــ Life Beirut (بمحاذاة «فوروم دو بيروت) ــ للاستعلام: 76/100576