أثبت جورج دالاراس (1949) نفسه واحداً من أبرز الموسيقيين اليونانيين الذين حملوا فنّهم الى العالم. قلما نجح فنان يوناني في الحفاظ على مكانته كل هذا الوقت في بلاده وخارجها. بعد 45 عاماً على انطلاق مسيرته، ننتظره مساء اليوم ليقدّم حفلته الأولى في لبنان على مسرح «بلاتيا» بدعوة من الفنان والمنتج ميشال الفتريادس. المناخ الموسيقي الذي ترعرع فيه جعله يغوص باكراً في الفن في عمر يكون فيه المرء عادةً وسط أزمة المراهقة. أصدر ألبومه الأول ولمّا يزل في الـ18 من العمر. تأثّر جورج دالاراس بأنماط مختلفة من الموسيقى اليونانية في طفولته، خصوصاً أنّ والده لوكاس كان معروفاً بوصفه موسيقياً ومؤدياً للـRebetiko (الموسيقى الشعبية الريفية اليونانية) الذي عمل ابنه بعد سنوات على إحيائه من جديد.
في عام 1975، أصدر تسجيلاً كاملاً مخصصاً لهذا النمط المهدّد بالنسيان والاندثار بعنوان 50 Chronia Rebetiko Tragoudi. بهذه الطريقة، أراد أن يعرّف الشباب اليوناني إلى موسيقى أسلافه، ويضيء على إرث مهمّ في الثقافة اليونانية. يقول دالاراس لـ«الأخبار»: «أصدرت مئات الاسطوانات التي تضمّنت أنواعاً مختلفة من الأغنيات، لكن الـ«ريبيتيكو» يسكن روحي».
منذ بدايته، انفتح دالاراس على مؤلفين يونانيين معروفين مثل ستافروس كزارشاكوس وثانوس ميكروتسيكوس، لكنّه رحّب دوماً بالتأثيرات الخارجية على الموسيقى اليونانية وتلاقحها، ولعلّ هذا ما جعل شهرته تتخطّى حدود اليونان، مع أن معظم نجاحاته بلغته الأم. «الموسيقى توحّد الناس، حتى لو كانوا يتقنون لغات مختلفة. أتساءل أحياناً كيف أنّ الناس في فنلندا وألمانيا والبلدان الاسكندينافية يحفظون كلمات أغنياتي. هم تعلموا اليونانية عبر تلك الاغنيات وهذا شرف كبير لي. لكن كوني موسيقياً ومستمعاً في الوقت نفسه، لطالما شعرت بالحاجة الى الغناء بلغة أخرى تؤثر فيّ، كما هي حال الأغنيات الاسبانية». لكن ماذا عن اهتمام الجمهور اللبناني بهذا النوع من الموسيقى؟ يقول ميشال إلفتريادس: «جورج دالاراس من أهم المغنين اليونانيين اليوم. إنّه بأهمية فيروز في لبنان. وعدد كبير من اللبنانيين يحبّون الموسيقى اليونانية، كما أنّه بارع في الغناء على المسرح وموهوب في العزف على الغيتار ويعزف على البوزوكي. والمعروف عن العازفين الذين يرافقونه في حفلاته أنّهم من الأكثر موهبة وبراعة في اليونان». أما عن أداء الأخير على المسرح، فيقول إلفتريادس: «يتمتع بطاقة كبيرة جداً. لا يبدو أبداً أنه تخطى الستين من العمر، بل كأنّه شاب ثلاثيني». يعزو دالاراس هذه الطاقة الكبيرة التي يتمتع بها على المسرح الى «حبي الكبير للموسيقى والأغنيات الذي لا يمحوه الوقت. لو وضعنا جانباً عنصر الترفيه، فإنّ الموسيقى هي الحياة. إنها دواء لبعض الناس».
أما في ما يتعلّق ببرنامج الحفلة، فسيكون نوعاً من الـ Best Of يجمع فيه الفنان أفضل ما أنجزه في مسيرته الطويلة، ويختار أغنيات متنوعة، لتناسب مختلف الميول الموسيقية. ويضيف: «أعلم أيضاً أن هناك جالية أرمنية كبيرة جداً هنا، كما في بلدان أخرى وفي بلدي. سأقدّم أغنيات مخصصة لها أيضاً».
أما بالنسبة الى مشاريعه المستقبلية، فيكشف دالاراس: «ألبومي الجديد الذي سيصدر خلال أيام، يتضّمن موسيقى لنيكوس أنتيباس. المشروع مختلف تماماً عما سبقه وهو عصري، مع كلمات جميلة جداً. وبعض هذه الاغنيات الجديدة سيُسمع للمرة الأولى في لبنان. بعدئذٍ، سأقوم بجولة أوروبية، وسأعمل على مشروع مختلف جداً يعتمد على نصوص الشاعر الكبير قسطنطين كفافي وموسيقى المؤلف اليوناني الأصل ألكسندروس كاروزاس الذي يعيش في ألمانيا. بدأنا العمل في نهاية العام الماضي في فيينا، مع الأوركسترا السمفونية، وجاءت ردود الفعل مرحّبة جداً».
من ناحية أخرى، شدد إلفتريادس على الجانب الانساني لهذا الفنان الذي عُيّن سفيراً للنّيات الحسنة في المفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. نراه غالباً على شاشات التلفزيون يتحدّث ضدّ الحكومات اليونانية ونهجها السياسي وسط الأزمة الاقتصادية التي ترزح تحتها بلاده. ويختم بأنّ دالاراس جال أخيراً على مناطق فقيرة في اليونان، وقدّم الحفلات مجاناً، فـ«اليونانيون شعب يحب الخروج واللهو، حتى لو كانوا معدومين. والموسيقى تعتبر جزءاً لا يتجزأ من حياتهم».

جورج دالاراس: 9:00 مساء اليوم ــ مجمع Platea (ساحل علما ــ شمال بيروت) ــ للاستعلام: 03/686686



سفيرته إلى النجوم... أيضاً

في الشتاء الماضي، زار دالاراس لبنان في رحلة سياحية. يقول «إنه بلد شبيه جداً باليونان. الناس متوسطيون يشبهوننا في المظهر، كما أنّ هناك الكثير من العناصر الثقافية والتاريخية المشتركة». ويضيف: «أريد أن أشدد هنا على إعجابي بموسيقاكم وموسيقيّيكم منذ كنت طفلاً. شخصية مثل فيروز أشبه بأسطورة بالنسبة إليّ». وأخيراً، يفصح عن رغبته في التعاون مع موسيقي لبناني، سواء كان مغنياً أو عازفاً.