في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، انتفضت دمشق عن بكرة أبيها لتستقبل سفيرة النيات الحسنة لدى الأمم المتحدة، أنجلينا جولي، في زيارتها للاجئين العراقيين في مدينة جرمانا (جنوب دمشق)، أكثر الأماكن استيعاباً للعراقيين الذين هجّرتهم آلة الحرب الأميركية. طبعاً، لم تكن حالة الاستنفار المطلقة التي أبدتها جهات سورية عدة إلا لأنّ الزائرة نجمة عالمية شهيرة تأتي برفقة حبيبها براد بيت، واستقبلهما آنذاك الرئيس السوري بشار الأسد. يومها، ألهمت الممثلة الأميركية أعمالاً فنية عدة، منها فيلم «طعم الليمون» لنضال سيجري.
طبعاً، كل ذلك صار ماضياً يذكره السوريون بأسى ممزوج بالحنين بعدما تحولوا هم أنفسهم إلى حالة إنسانية تستدرّ عطف «السفيرة الأميركية» وشفقتها. لقد تحولت مدينة جرمانا التي كانت أكبر حاضنة للاجئين العراقيين إلى مدينة خوف مستمر بعدما ضربها الإرهاب بسلسلة تفجيرات راح ضحيتها العشرات من المدنيين الأبرياء... لكن جولي ما زالت تزاول عملها ذاته، وهذه المرة ليس في سوريا، بل على الحدود السورية مع دول الجوار. أما الهدف، فهو الاطمئنان إلى الأحوال الإنسانية لهؤلاء المهجرين. منذ أكثر من شهرين، زارت جولي مخيمات اللاجئين السوريين على الحدود التركية، وهناك باغتت الأطفال بسؤال عن معاملة الحكومة التركية لهم، فكان الجواب مختصراً بكلمة يتيمة عساها الكلمة الوحيدة التي يجيدها أطفال المخيم هي yes من دون أن ينتبه أحد إلى التقارير الإعلامية المتلاحقة التي حاولت توثيق حالات الاغتصاب التي تعرضت لها نساء سوريات في هذه المخيمات والتعامل القاسي الذي يعانيه هؤلاء المهجرون. ثم عادت النجمة أمس إلى مخيم الزعتري على الحدود السورية الأردنية لتتفقد أحوال سوريين مهجّرين إلى ضفة ثانية من حدود بلادهم، قبل أن تعقد مؤتمراً صحافياً أكدت فيه أنّ اللاجئين يفتقرون إلى الكثير من الاحتياجات، ثم حثت المجتمع الدولي على تقديم المساعدات لهؤلاء. ونقلت وكالات الأنباء أنّ عيني جولي اغرورقتا بالدموع عندما راحت تخبر ما شاهدته وسمعته خلال زيارتها (راجع الكادر). وتابعت: «أشكر الأردن وكل الدول التي فتحت حدودها لاستقبال اللاجئين السوريين. وأدعو المجتمع الدولي إلى حشد جهوده لدعم هؤلاء في هذه الدول حتى يتمكنوا من العودة إلى منازلهم». لكن الزيارة مرت مرور الكرام بالنسبة إلى الكثير من السوريين الذين لا يعرفون كيف يلملمون جراحهم، ولم يعد ألق النجوم العالميين يسحرهم حتى وهم يواظبون على نشاطات إنسانية راقية.




تجربة صعبة

خلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته أمس بعد زيارة استمرت يومين لمخيم الزعتري في الأردن، قالت أنجلينا جولي: «حين سئل أطفال صغار عما رأوا، أخذوا يتحدثون عن جثث مقطعة، وأناس محترقين تتقطع أوصالهم لدى انتشالها كما الدجاج. قالت هذا طفلة تبلغ تسعة أعوام». واستطردت بعدما حاولت التماسك: «إنّها تجربة صعبة جداً لأنك في الكثير من الأحيان تأتي إلى هذه المخيمات، ونادراً ما تلتقي بهم وهم يعبرون الحدود، بل تتعرف إلى أناس في اللحظة التي يتحولون فيها إلى لاجئين». وتابعت: «إنّهم يقولون مع مرور الأشهر، لن يبقى منّا شيء. ذهبت بيوتنا وذهبت أسرنا».

تم تعديل هذا النص عن نسخته الاصلية بتاريخ 13 ايلول 2012