بعد سنة ونصف السنة على الأزمة السورية، شهدت الساحة هناك انعطافات خطيرة وحساسة أبرزها تفجير مركز الأمن القومي في تموز (يوليو) الماضي، فحُكي عن «غزوة» لدمشق تشي بسقوط مدوٍّ وقريب للنظام، تبعها الحديث عن أم المعارك حلب. وفي خضم هذه الأحداث والتعتيم الإعلامي والشائعات، كان لا بدّ من الارتكاز على الصورة الحيّة من هناك. هكذا، عزمت بعض الفضائيات على الذهاب الى أرض المعركة بعدما اتكأت سابقاً على بعض الأشرطة المصورة والشهادات المشكوك غالباً في صحتها بسبب التضييق الإعلامي الحاصل هناك.
من هذه المحطات، برزت «المنار» كناقل للحدث من قلب العاصمة السورية وباقي المدن. بدأت بتقصّي الأحياء والشوارع، وكان لافتاً البث الحيّ الميداني الذي قامت به القناة ووقوفها عند مختلف الأحداث ونقلها لمشاهدات وشهادات عايشت الحدث. أرض الميدان كانت مختلفة: «كان هناك حسم عسكري غير مسبوق منذ بدء الأزمة السورية، خصوصاً مع فورة المسلحين المنتشرين في الأحياء». هذا ما نقله مراسل «المنار» عباس فنيش (1985) من أرض الواقع كما يؤكد.
الاستعداد لتغطية مماثلة لم يكن صعباً على «المنار» التي خبرت أعتى الحروب وأعنفها، لكن التحدي الأبرز الذي واجهته هناك هو استهدافها كمحطة ذات رأي صريح في الأزمة، وتقف الى جانب النظام السوري. بدلاً من أن تمارس دورها كالبقية، بدأ التضييق عليها عبر التهويل والتهديد.
لكنّ تنقل الفريق الإعلامي برفقة الجيش النظامي طرح تساؤلات تخصّ مدى الموضوعية والمهنية في النقل. في هذا الصدد، يرى فنيش أنّ مرافقة الجيش لفريقه تقع حصراً ضمن إطار الحماية، مضيفاً أنّه «ليس هناك أي نوع من الإملاء والتدخل في مضمون الأخبار أو انتقاء المواضيع، بل كان العمل يتم وفقاً لما يحصل على الأرض»، خصوصاً مع غياب الطرف الآخر حيث كان مستحيلاً قبول «الجيش الحرّ» بأن ترافقه «المنار»! وينفي فنيش تبنّي القناة لوجهة نظر النظام السوري والترويج له سياسياً وإعلامياً، بل إنّ «التغطية انحصرت بما شاهدناه، كإيجاد قذائف هاون إسرائيلية الصنع أو حوالى 100 عبوة معدّة للتفجير في حي القابون الدمشقي». ويضيف: «ليت الإعلام كان هناك ليشهد على ما يحدث».
ليست المرة الأولى التي يتولى فيها فنيش تغطية مناطق ساخنة، لكنّ هذه المرة مختلفة بالنسبة إليه، إذ يعتبرها «تاريخية». برأيه، لا يحتاج الصحافي إلى رؤية الدم والقتل ليتطور مهنياً، فما يمكن استخلاصه من الأزمة هناك هو «مزيج من التناقضات وانسداد الأفق والمخاض الدولي».