عكا | في بداية تموز (يوليو) الماضي، تواصلت شركة «كتّاب للإنتاج» في القدس مع مجموعة من السينمائيين الفلسطينيين ودعتهم للعمل على شريط وثائقي يحمل اسم «24 ساعة في القدس» (مبني على فكرة الفيلم الألماني «24 ساعة في برلين»). حين سألت إحدى المخرجات الفلسطينيات عن وجود جهات إسرائيلية في المشروع، جاءتها الإجابة بالنفيّ وبأنّ الإنتاج فلسطيني _ ألماني.
لكن ما أثار الشكوك أنّ الشركة طلبت أن تكون أفلام المخرجين قصيرة، على أن تُجمع كلّها في فيلم طويل واحد، «يتطرق إلى الجانب الاجتماعي في العاصمة المُحتلة بعيداً عن الدعاية السياسية»! عند المحادثة الثالثة بين المخرجة والشركة، أخبروها أنّ التصوير سينطلق في 6 أيلول (سبتمبر) 2012 وسيكون المونتاج في ألمانيا. وحين تساءلت عن سبب إجراء المونتاج في ألمانيا، أجابها: «لا علاقة لكم بالمونتاج، لأنّ هناك أفلاماً أخرى، منها 30 فيلماً فلسطينياً و30 إسرائيلياً». كانت هذه الجملة الوحيدة التي كشفت للمخرجين والمخرجات أنّ مشروع «24 ساعة في القدس» من إنتاج فلسطيني وإسرائيلي وألماني.
لم يكتشف المخرجون الفلسطينيون أنّ وراء المشروع جهة إنتاج إسرائيلية هي Israeli prodco 24 communications المدعومة من «صندوق القدس للتلفزيون والسينما» المرتبط ببلدية القدس التي تمارس انتهاكات يومية بحقّ الإنسان المقدسي إلا حين أرسلت «هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس المحتلة» رسالة مفتوحة إلى «شركة كتّاب للإنتاج» ومديرها داوود كتّاب، تطالبه «بعدم المشاركة في هذا المشروع التطبيعيّ أو إدارته. وإن حصل، سيسيء لمدينتا الحبيبة القدس وسيسهم في تقويض نضالنا من أجل التحرر وتقرير المصير».
لكنّ أكثر ما أثار التساؤل حول ماهية الفيلم وهدفه هو مطالبة المخرجين/ات بعدم التطرق إلى الجانب السياسي للقدس. كيف ذلك والمقدسي يتعرّض منذ أن يخرج من بيته صباحاً إلى أن يعود مساءً، لشتى أنواع انتهاكات الاحتلال التي تُمارس على نفسه وجسده وحرية حركته وبيته؟ كيف يمكن أن يكون فيلماً غير سياسي يحكي عن القدس؟
عن هذا الجانب، كتبت «هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس المحتلة» أنّ «القدس تمثل قلب الصراع، وتعاني يومياً على أيدي سلطات الاحتلال بطريقة ممنهجة ومدروسة تهدف إلى تهويد الحجر والبشر وتشويه الحضارة والتاريخ، من خلال التقسيم والتشريد والمصادرة وهدم البيوت وسحب الهويات وبناء جدار الفصل العنصري وخنقها بالحواجز العسكرية والأحزمة الاستيطانية المحيطة بها وبداخلها، حيث طالت الهجمة كل مناحي الحياة في المدينة ضمن مخطط شامل يهدف إلى تطهير الفلسطينيين عرقياً من مدينتهم. فلا يمكن أن تصوّر القدس كمدينة عادية بعيدة عن واقعها، وتسويقها من خلال مشروع مشترك مع جهات إسرائيلية لا يمكن إلا أن يخدم الأجندة والدعاية الإسرائيلية بكونها مدينة عادية آمنة وتعيش بسلام»
رانيا الياس العضو في «هيئة العمل الوطني في القدس» ومديرة مؤسسة «يبوس للإنتاج الفنّي»، قالت: «نحن نعيش تحت الاحتلال وفي مدينة القدس. كيف يمكن أن تعمل على فيلم مشترك مع إسرائيلي والبندقية في رأسك؟». وتطرقت رانيا إلى قيام العديد من الجهات بإخفاء وتمويه مشاريعها المشبوهة كما حدث مع شركة «كتّاب للإنتاج»، إذ لم يُذكر بداية عن وجود جهة إنتاج إسرائيلية، ولم يعرف العديد من المخرجين المشاركين في الفيلم بالأمر. وتضيف: «نصيحتي لكلّ من يعمل في الحقل الثقافي أن يبحث ويسأل ويعرف من وراء أي مشروع وما هدفه قبل أن يكون جزءاً منه».
وأمس، وجّهت مجموعة من المؤسسات الفلسطينية والأفراد العاملين في حقل الثقافة والفنّ رسالة إلى «كتّاب للإنتاج» يعلنون فيها رفضهم المطلق لمختلف أشكال التطبيع مع المحتل و«وقوفنا في وجه محاولات اختراق الجبهة الثقافية باعتبارها خط الصدام الأساسي مع الاحتلال، والمثقفون كانوا وسيبقون رأس الحربة في الاشتباك الثقافي والحضاري مع قوة الاحتلال الغاشمة».
ومع أنّ العديد من السينمائيين الفلسطينيين انسحبوا من المشروع، إلا أنّه ما زال قائماً حتى الآن، مرتكزاً ـــ لسخرية الأقدار ـــ على شريط «24 ساعة في برلين» (2009). بينما جمع الأخير 70 مخرجاً احتفوا بالحرية وصوّروا الحياة في العاصمة الألمانية في الذكرى العشرين لسقوط جدار برلين، ها هو «24 ساعة في القدس» تشرف عليه جهة إنتاج إسرائيلية تابعة للاحتلال. أي فيلم هذا الذي يرغب في تصوير «الجانب الاجتماعي» لمدينة تطالب بالحريّة ويقطّع أوصالها جدار فصل عنصري يفصل الأحياء المقدسية والعائلات الفلسطينية... أو لنقل، أي فيلم هذا الذي يريد تبييض صورة الجلاد؟



القدس لنا

في ظل صمت مريب من شركة «كتاب للإنتاج»، أصدرت «هيئة العمل الوطني والأهلي في القدس المحتلة» وعدد من المثقفين والفنانين الفلسطينيين أمس بياناً أعلنوا فيه رفضهم لمشروع «24 ساعة في القدس»، فـ«القدس المحتلة من أهم عناوين صراعنا مع الاحتلال، وكل محاولاته لصهينتها وتغيير طابعها الديموغرافي لن تغيّر من هويتها العربية الفلسطينية ومن مكانتها كعاصمة للدولة الفلسطينية المنشودة. وبهذه المكانة، ستبقى حاضنة لكل المثقفين والفنانين الفلسطينيين، وسيبقون هم في خندق الدفاع الأول عنها». وتابعوا إنّ «ما يسمى «الإنتاج المشترك» بين أفراد أو مؤسسات فلسطينية مع جهات احتلالية مع أو من دون طرف ثالث هو شكل واضح من أشكال التطبيع المرفوض وطنياً وشعبياً». وختموا: «نطالب الزميل داوود كتاب، وشركة «كتاب للإنتاج»، بكشف تفاصيل عملية إنتاج الفيلم وموقعها في هذا العمل، وإعلان موقفها من التطبيع وما يسمى الإنتاج المشترك مع المحتلين».