دمشق | في بداية الحراك السلمي، رفعت المظاهرات السلمية شعارات طالبت «بإلغاء قانون الطوارئ» الذي بقي يحكم حياة المجتمع المدني وعلاقته بالسلطة منذ الستينيات ويسمح للأجهزة الأمنية (بند من المادة الرابعة) بـ«توقيف المشتبه فيه أو الخطرين على الأمن والنظام العام توقيفاً احتياطياً» من دون مذكرة من النائب العام.
وفي 20 نيسان (أبريل) 2011، استجابت الحكومة السورية لمطالب الشارع المتظاهر، فأنهت العمل بهذا القانون الذي قضت بسببه أعداد كبيرة من المعتقلين والنشطاء سنوات طويلة في عتمة السجون من دون محاكمة! لكن من يراقب تطورات المشهد السوري بعد أكثر من عام ونصف العام على اندلاع الأزمة التي عصفت بالبلاد، لا يلمس تغييراً في تعامل الأجهزة الأمنية مع النشطاء أو المعارضين السلميين. الاعتقالات ما زالت مستمرة حتى اللحظة وطالت أسماء كثيرة من المثقفين والناشطين السياسيين. قبل أن يلقى الصحافي السوري مصعب العودة الله مصرعه في منزله في حي نهر عيشة وقبل اعتقال السينمائي والمنتج عروة نيربية (الأخبار 25/8/2012)، ألقت الجهات الأمنية القبض على المخرج والممثل المسرحي زكي كورديللو وابنه مهيار الطالب في معهد الفنون المسرحية، وقريبه عادل برازي وصديقه اسماعيل جمودة، بعد مداهمة منزل كورديلو الواقع في منطقة دمر (غرب دمشق) واعتقال جميع من كان فيه، ومصادرة حواسيبهم المحمولة.
«الأخبار» حاولت الاتصال بأصدقاء كورديللو وزملائه للسؤال عن ظروف الاعتقال، أو عن أي معلومات تفيد بمكان اعتقاله أو أسبابه، إلا أنّ الجميع فضّل إما الصمت أو التملص والاعتذار عن عدم الإجابة. ولعلّ التهرب من تقديم أي معلومات حول ظروف اعتقال أي مواطن أو ناشط سوري اليوم، له ما يبرّره، فالجميع يعيش حالة ضبابية مبهمة.
ارتبط زكي كورديللو ارتباطاً وثيقاً بمسرح خيال الظل وصار يعتبر الوريث الشرعي لهذا النوع بعد وفاة آخر «المخايلة» عبد الرزاق الذهبي عام 1993. لعب كورديللو أدوار بطولة في عشرات العروض المسرحية والمسلسلات التلفزيونية وبعض الأفلام السينمائية، حتى أنّه سبق أن تسلم إدارة مسرح «الحمراء» في دمشق. الفنان المعارض للنظام لم يتردّد في التصريح بمواقفه المناهضة للعنف والقتل التي يمارسها جميع أطراف الصراع الدائر على الأرض. مجمل التعليقات التي كان يكتبها على صفحته على الفايسبوك، أدان بها القتل والدموية. وقبل أيام من اعتقاله، كتب «سؤال أرجو الإجابة: الى أين سيلجأ كل المهجّرين في مدن وقرى سوريا؟» وفي تعليق آخر «مجازر مجازر... الى متى؟ ألا يكفيكم دماً؟ لم نعد نحتمل الدم، يكفي». وكالعادة، أسّس الناشطون صفحة على فايسبوك وانضمت صورته إلى «طوابع من الثورة السورية»، وعلت الدعوات المطالب بإطلاق سراح «عرّاب مسرح الظل السوري» بعدما لحق بقافلة طويلة من المعتقلين من بينهم السيناريست الشاب محمد أوسو الذي اعتقل قبل أيام للمرة الثالثة منذ اندلاع الأزمة.