عكا | بدأ الحلم حين كان الشاعر والصحافي بشير شلش (1978) يعيش في برلين خلال سنوات الدراسة. لم يكن لديه مكان للنوم، بعدما اضطر لتسليم شقته، فكان عليه أن يعثر على مأوى مؤقت. هكذا وجد نفسه يقضي نهاراته يقرأ في أحد متاجر الكتب في وسط برلين، وفي الليل، يتسكع في انتظار أن يطلع الضوء ليعوم مجدداً بين الكتب. هذه التجربة الشخصية ستدفعه بعد سنوات إلى تأسيس دار نشر. بعد تجهيزات لوجستية استمرت أشهراً، انطلقت «دار راية للنشر» في 13 آذار (مارس) 2011 في اليوم الوطني للثقافة الفلسطينية وذكرى ميلاد محمود درويش.
انطلاقتها جاءت مع نشر الأعمال الكاملة للشاعر الراحل طه محمد علي، ورواية «هي أنا والخريف» لسلمان ناطور و«التفاحة النهرية» لمحمد نفّاع. هذا الحلم صار حقيقة بعدما لمس بشير شلش أنّ هناك حاجة إلى دار قادرة على إعادة الاعتبار إلى الكاتب الفلسطيني، وخصوصاً كتاب الأراضي المحتلة عام 1948 الذين يملكون مشروعاً ثقافياً مقاوماً ومتواصلاً. يقول شلش لـ«الأخبار»: «عندما يتاح لبعضهم أن ينشروا في دور عربية، يتم التعامل معهم كزبائن وليس كأصحاب مشروع».
في مكتب صغير يطل على البحر وحيفا، يقضي بشير شلش وقته. يحكي عن سبب اختيار «راية» اسماً للدار، فـ«في فوضى المواقف، يجب أن يكون هناك مَن يحمل راية واضحة، خصوصاً في الموضوع الثقافي الذي هو الأخطر على الإطلاق». الجديد في «راية» اليوم هو إطلاق سلسلة أدبية بعنوان «راية عربية» التي تطمح لأن تكون نافذة فلسطين إلى العالم العربي. توفّر السلسلة الأعمال العربية المهمة بطبعات فلسطينية، خصوصاً أنّ القارئ في فلسطين يعاني كثيراً للحصول على الإصدارات العربية. وقد افتتحت السلسلة مع الشاعر العراقي سعدي يوسف (طيران الحدأة) ثم المصري أحمد فؤاد نجم بالتنسيق معهما. وحول السلسلة، يقول شلش: «ستكون عنوان القارئ المحلي لمتابعة أحدث ما يصدر في العالم العربي بطبعات فلسطينية خاصة».
لا يرى بشير شلش أن هذه المبادرة ستحل أزمة الكتب العربية في فلسطين، لكنه سيحاول أن يقدم أحدث وأهم العناوين العربية التي قد لا تكون متاحة للقراء بما يضمن «تواصلنا مع عمقنا العربي وثقافتنا العربية المعاصرة التي نحن جزء أصيل منها». بوصلة «راية» ستتجه أيضاً إلى الترجمة بعدما تلقى شلش بعض المخطوطات الناجزة لعدد من المترجمين والكتّاب العرب، منها الأعمال الكاملة للكاتب المسرحي والشاعر الألماني هاينر مولر من ترجمة المخرج الفلسطيني سامح حجازي. يحدثنا أيضاً عن مشروع ترجمة متكامل مع إسرائيليين مناهضين للصهيونية.
أما على مستوى الأعمال الفلسطينية الجديدة، فستصدر «دار راية» قريباً الأعمال القصصية الكاملة للكاتب محمود شقير، ومجموعة شعرية لأحمد دحبور، وعناوين لكتّاب فلسطينيين كعدنية شبلي. وأخيراً، أصدرت الدار مجموعة قصصية لإسماعيل الناشف بعنوان «ثغرات» (راجع الكادر) بالإضافة إلى تحضير أنطولوجيا «كتاب الرغبة» هي عبارة عن نصوص ايروسية فلسطينية تقدم صورة أخرى للفلسطيني. صاحب «حصاد العاصفة» ينظر إلى مشروعه بتفاؤل. «في غضون 5 سنوات، ستكون «راية» العنوان الأول لكلّ ما يتعلق بالكتاب الفلسطيني على مستوى الوطن، الوطن كلّه».



على الهامش | رهان «بصري»

منذ إصداراتها الأولى، تميّزت «دار راية للنشر» بالجانب البصري لكتبها (يعمل عليه الفنان وائل واكيم). صاحب الدار بشير شلش يرى أنّ رهان مشروعه على الجودة والشق البصري يوازي رهانه على مضمون الكتب الذي يصدرها. ويشير إلى أنّه حين يمسك القارئ أحد كتب «راية»، يستطيع أن يلاحظ منافستها ــ من ناحية كونها منتجاً فنّياً ـــ للكتب الصادرة في القاهرة وبيروت. ويضيف: «وبالتالي هذا جزء من التحدي أيضاً بتقديم مضامين جديرة وجديدة بالنشر ضمن شكل فنّي لافت وقادر على المنافسة مع ما ينشر في العالم العربي».