دمشق | قبل أيام، سرت شائعة تفيد بأنّ النجم السوري وائل شرف قد فارق الحياة بعدما تعرّضت سيارته للقصف وهو في طريقه إلى تركيا. لكنّ نجم «باب الحارة» سخر من الشائعة وردّ على اتصالات أصدقائه ومحبيه بأنّه «يكلمهم من الجنة» (الأخبار 14/8/ 2012). لكنّ الموت أبى إلا أن يمرّ قريباً من الممثل السوري ليخطف والده الممثل المخضرم صبحي الرفاعي (1945) الذي اختار ابنه أن يشق طريقه بعيداً عنه، فاتخذ لنفسه كنية مختلفة. ظلت الشائعات تلاحق الأب وابنه وتروى الحكايات عن خلاف حاد فرّق بينهما من دون أن يتطرق أحد إلى هذا الموضوع في وسائل الإعلام.
هكذا، أسدل صبحي الرفاعي الستار أول من أمس على مسيرة حافلة استمرت 67 عاماً قضاها متنقلاً بين كواليس المسرح ومواقع التصوير، وبين طاولته المعتادة في مقهى «الروضة» الدمشقي. في «برلمان الثقافة السورية»، اعتاد أن يراه رواد المقهى بنحو شبه يومي يلعب النرد ويوزع شيئاً من حضوره الطريف على من حوله. حتى إنّ رنة ضحكته المميزة كانت سمة خاصة به تعوّدها الجمهور السوري وميّزته بعدما اشتهر بها في مسلسل «يوميات مدير عام 1» للمخرج هشام شربتجي. العمل الذي حقق جماهيرية عريضة وصنّف من أهم الأعمال الكوميدية السورية، خلق علاقة مميزة للرفاعي مع الجمهور الذي ألفه كصانع فرح بامتياز، بينما كانت عيناه تخبّئان الكثير من الحزن والألم. حتى إنّ أصدقاءه الذين كانوا ينادونه «أبو صبيح» رغم تقدمه في السن، كانوا يعتبرونه نموذجاً فريداً لمن يجمع الفرح والحزن معاً.
قرّر الرفاعي فجأة أن يهجر طاولته ونرجيلته التي نفث منها دخاناً ممزوجاً بالقهر كحال معظم السوريين. وبطريقة دراماتيكية تتفوق على غالبية الأدوار التي أدّاها، ترك طاولته في «الروضة» وودع رفاقه لأنّه متعب، وأراد أن تكون رحلته الأخيرة في شوارع دمشق سيراً على الأقدام. تمشّى ليل السبت ليفتح باب الموت بيده أمام «سينما السفراء». هناك كانت اللحظة الأخيرة. أسقطته أزمة قلبية حادة، فنُقل إلى المستشفى حيث قبع لساعات قليلة قبل أن يفارق الحياة، تاركاً وراءه تاريخاً عريقاً من الكفاح الذي بدأه على خشبة المسرح الشبيبي ثم القومي والعمالي الذي تولى إدارته لحوالى عشر سنوات. رصيده لدى أبو الفنون غني ومتنوع بعشرات المسرحيات، منها «رؤى سيمون»، «المفتش العام»، «الاستثناء والقاعدة»، «هاملت»، «خارج السرب»... أما في الفن السابع، فقد كانت له مشاركات في فيلم «رحلة 21» و«دموع في عيون حائرة»، إضافة إلى مجموعة من الأفلام القصيرة، في حين سجّل حضوراً إذاعياً مميزاً في مسلسلات لاقت صدى كبيراً في سوريا، منها «حكم العدالة». أما في التلفزيون، فقد شارك في مجموعة كبيرة من الأعمال الدرامية منها «عودة غوار»، و«حمام القيشاني»، و«جواد الليل»، و«يوميات مدير عام1»، و«الحصرم الشامي»، و«الاجتياح»... وأخيراً «زمن البرغوث» مع المخرج أحمد ابراهيم أحمد، وقد انتهت الفضائيات من عرضه منذ أيام، وهو العمل الوحيد الذي أطلّ به الرفاعي مودعاً جمهوره إلى الأبد.
من «مستشفى الطب الجراحي» إلى «جامع لالا باشا» في شارع بغداد وسط دمشق، مرّ موكب الراحل ظهر أمس ليرقد في مثواه الأخير في مقبرة بوابة الميدان. على باب المسجد، لم يجد الممثل السوري جميع من بادلهم الودّ والاحترام. لقد غاب الكثير من نجوم الدراما السورية عن مراسم الدفن وحضرت قلة منهم، من بينهم ابنه وائل شرف، وسليم كلاس، وسليم صبري، والمثنى صبح، ومحمد الشيخ نجيب، ومجموعة من الممثلين الشباب بينهم عبد الرحمن قويدر، وعلي الإبراهيم، وإسماعيل مداح والنجم قيس الشيخ نجيب. هذا الأخير قال في حديثه إلى «الأخبار»: «كنت ألاحظ عليه التعب في آخر عمل صوّرناه معاً، لكنه كان بالنسبة إليّ حالة متنقلة من الحب والطاقة الإيجابية التي تجبرني على الابتسام، إضافة إلى إحساسه الأبوي». أما على صعيد التمثيل، فيضيف الشيخ نجيب: «كان له مكانه وبصمته الخاصة وأدوار لا يتمكن من تجسديها إلا هو». أما الممثل الشاب علي الإبراهيم، فقد صرح لـ«الأخبار»: «تبقى للممثل الذي عرفناه منذ صغرنا مكانة خاصة تترك أثراً كبيراً. أما صبحي الرفاعي، فستظل رنة ضحكته المميزة تداعب سمعي. لا بد من أن يبقى أثره مزروعاً فينا لأنّنا تربينا على جيل من العمالقة مثله ومثل الراحل خالد تاجا».
تتحول أرض سوريا إلى مقابر جماعية، ولا تكاد جدرانها تتسع للنعوات التي تملؤها بكثرة هذه الأيام. لكن يبقى لرحيل صبحي الرفاعي وقع مختلف ستتحمل عناءه الدراما السورية والأماكن التي كان يمر طيفه خفيفاً من قربها.



الوفي أبداً

يبدو سليم صبري هو الرجل الوفي تجاه زملائه، فكان أول الحاضرين في جنازة صبحي الرفاعي. وعن علاقته به، صرّح لـ«الأخبار»: «منذ سنين طويلة، تعرفت إلى الرجل عندما كان مديراً لمسرح العمال. هناك تمكنت خشبة المسرح من سبك خيوط صداقة متينة». ويضيف: «لم نكن نلتقي إلا مصادفة، لكنّ لقاءنا كان دائماً حميماً. هوسه بالمسرح سرقه، وظل يبتعد بأحلامه عن شهرة التلفزيون. لذا لم يصل إلى ما يستحقه من شهرة رغم نشاطه على خشبة المسرح. الطيبة هي السمة التي كانت تميزه وتفانيه في خدمة الآخرين». ويختم صبري حديثه بالقول: «أظن أنّ قلبه الرقيق لم يحتمل مشاهد الموت المفجعة في جميع أنحاء سوريا. لذا قرر الرحيل فجأة».