باريس | منذ بداياته مخرجاً في الثمانينيات، اختار محمد شويخ الوقوف في موقع المغايرة، سالكاً طريق السينما التأملية الحميمة، بعيداً عن المنحى السوسيولوجي والنبرة الاحتجاجية اللذين طغيا على أعمال أبناء جيله (مرزاق علواش، محمود زموري، رشيد بن براهيم). كذلك قطع حبل السرة مع السينما التاريخية لجيل المؤسسين (لخضر حامينا، أحمد راشدي، مصطفى بديع) الذين غلبت على أعمالهم المرافعة الإيديولوجية و«الصراخ الثوري» الموروثين عن فترة حرب التحرير.
نجح صاحب «القلعة» في تحقيق قطيعة مع «الآباء المؤسسين» للسينما الجزائرية، رغم أنّه شارك ممثلاً في أشهر أفلامهم. تحت إدارة لخضر حامينا، أدى بطولة «ريح الأوراس» و«وقائع سنوات الجمر». كذلك شارك في «فجر المعذبين» لأحمد راشدي (1966)، و«الخارجون عن القانون» لتوفيق فارس (1968) وغيرها من الأفلام التي خرجت من رحم حركة التحرر الوطني.
ولعل التجربة الأكثر تأثيراً في سينما شويخ بداياته ممثلاً في فرقة المسرحي ولد عبد الرحمن كاكي. ظهرت بصمات كاكي في توجه شويخ منذ «القلعة» إلى استلهام التراث الحكائي للثقافة الشفوية المغاربية. ثم استلهم التراث لمسائلة الرهان، مستعيراً رمزية «أهل الكهف» في فيلمه «يوسف وأسطورة النائم السابع» الذي استشرف فاجعة سنوات الدم الجزائرية. وفي «عرش الصحراء» (1997)، سعى إلى خلخلة البنى التقليدية التي تحكم المجتمعات المغاربية عبر قصة تدور في واحة في الصحراء يعيش أهلها بأمان. لكن ذلك الهدوء سرعان ما تعصف به قُبلة عابرة بين مريم وأمين، الشابين من قبيلتين غير متكافئتين. وإذا بالأحقاد والنعرات القبلية تستيقظ وتدمّر الحياة الصحراوية الهنية. تطلّب الأمر 10 سنوات قبل أن يحقق شويخ عمله الرابع «دوّار النساء» الذي عاد فيه على خطى «القلعة» للمرافعة عن النساء عبر قصة قرية معزولة تتحكّم بها الجماعات الإسلامية، فتمنع النساء من العمل في مصنع مجاور، وتفرض على الرجال أن يحلوا مكان زوجاتهم، ما يدفع هؤلاء إلى التغيب عن القرية خلال النهار، وتسليم أسلحتهم لنسائهم ليدافعن عن القرية. وإذا بهذا التحول يعصف بموازين القوى، حيث لا تتصدى النساء للجماعات المتطرفة فحسب، بل يستقوين على ظلم رجالهن!
شكّل هذا المنحى الإنساني والمتنوّر لازمة في أعمال شويخ. لذا، لم يكن مفاجئاً أن يختار لـ«الأندلسي» قصة مستوحاة من حدائق التاريخ الأندلسي النيّرة. إلى جانب رسالة التسامح في مواجهة الردّات الظلامية الراهنة، يقدّم المعلم الجزائري لغة مكثفة تغلِّف خطاب الفيلم في قالب مينمالي يسقط الاعتبارات الزمنية والمكانية. تصبح القصة التي تدور في «مملكة مسك الغنائم» تورية عن «القرية العالمية» المعاصرة التي تتضاعف فيها الحواجز بين البشر رغم وسائل الاتصال المتطورة التي يُفترض أن تمحو الحدود وتختزل المسافات.