حتى الآن، لم تتعب الولايات المتحدة من تسويق أمرين: الاستعراض والحرب. لكن السؤال: ماذا لو قُدّمت الحرب بأسلوب تلفزيون الواقع على الشاشات الأميركية؟ NBC فعلتها! عند الثامنة من مساء الاثنين الماضي، كان المشاهدون الأميركيون على موعد مع الحلقة الأولى من برنامج Stars Earn Stripes (نجوم يستحقون شارات عسكرية) على شاشة «إن. بي. سي» الأميركية. البرنامج الجديد قدّم نفسه على أنه «لا يشبه أي شيء آخر» وبُثَّت حملته الإعلانية بكثافة خلال نقل «إن. بي. سي» الألعاب الأولمبية الأخيرة في لندن.
منتج برنامج Survivor مارك بورنيت، وزميله ديك وولف منتج Law & Order نفذا لـ«إن. بي. سي» برنامجاً يسوّق للحرب هذه المرّة، فيقدّمها كلعبة تلفزيونية شيّقة وكمغامرة جذّابة: نجوم أميركيون يتبارون في حلقات أسبوعية «يعرّضون حياتهم لخطر حقيقي بين الرصاص الحيّ والمتفجرات» (كما يشير الإعلان)، ومن ينتصر، يربح مبلغاً مالياً يتبرّع به لجمعية خيرية. إذاً، إنّها الحرب من أجل «خير» الشعوب والأمم والبشرية! ها نحن نعود إلى المعادلة الأميركية الأثيرة على قلب هوليوود وصنّاع صورة أميركا سينمائياً وإعلانياً وإعلامياً!
لكن ماذا يجري في حلقات Stars Earn Stripes تحديداً؟ ثمانية مشاهير أميركيين من بينهم نجوم رياضة ودراما واستعراض وغناء وتلفزيون، يشاركون أمام عدسات الكاميرات في تدريب حربي ومناورات فعلية مع ضباط من الجيش الأميركي والمارينز وسلاح الجوّ... معظمهم ممن حاربوا في العراق! وليكتمل النصاب وعناصر الاستعراض، استُقدم الجنرال الأميركي السابق في حرب فيتنام والمرشح السابق لرئاسة الجمهورية ويسلي كلارك ليقدّم الحلقات إلى جانب مذيعة برامج التسلية سامانتا هاريس.
أسلحة وقنابل وعتاد وطوافات ومركبات عسكرية وميكروفونات وعدد كبير من الكاميرات... كل شيء جاهز لخوض الحرب مباشرة على الشاشة. أما النجوم، أبرزهم ليلى ابنة الملاكم الشهير محمد علي كلاي، فيطلّون بكامل حلّتهم وماكياجهم، يتسلقون الجدران ويزحفون في الوحل ويطلقون النار... ولا يصابون طبعاً.
«كلّ حلقة هي مهمّة فعلية» يقول الشريط الترويجي للبرنامج، مضفياً جرعة أدرينالين عالية عبر الإيحاء أن «هناك خطراً فعلياً يحيط بالنجوم المشاركين» على الهواء. الصفحة الإلكترونية الخاصة بالبرنامج لا تغيب عن أجواء الحرب أيضاً. تتضمن خانة «تفاعلية» مع المتصفحين، حيث يمكنهم المشاركة في لعبة يطلقون فيها النار على أهداف بشرية. أما الديكور العام للعبة فهو قرية صحراوية عربية تشبه إلى حدّ بعيد القرى العراقية!
هكذا، بعد تقديم الحرب للأطفال في ألعاب الفيديو وللكبار في أفلام هوليوودية، ها هي الولايات المتحدة تُدخل الحرب إلى غرف المنازل الضيقة تحت غطاء برّاق ومعالجة تسطيحية. أكثر من 5 ملايين مشاهد تابعوا الحلقة الأولى من برنامج «إن. بي. سي» في ما وصفه القيّمون على المحطة بـ«نسبة مشاهدة متواضعة». لكن صرخة المعترضين على مسلسل المغامرات الجديد علت منذ العرض الأول. «برنامج مملّ»، و«غير مقبول»، و«مهين لجنودنا ولضحايا الحرب»، و«ليس واقعياً على الإطلاق»، و«يشوّه العمل العسكري الفعلي»... تلك عيّنة من الأوصاف التي أطلقها النقاد في الصحف الأميركية وعدد من الجنود الأميركيين الذين سُئلوا عن رأيهم وتقويمهم لما شاهدوه.
وفي فقرة نقاش على موقع صحيفة «ذي هافنغتون بوست» الأميركية ضمّت صحافيين ومواطنين وجنوداً أميركيين حاليين، توافق الجميع على «عدم واقعية البرنامج، حيث يخرج المشاركون من حفرة موحلة وبنادقهم نظيفة بالكامل!». صحافي الـ«بوست» استنكر فكرة «كسب الأموال من خلال أسوأ التجارب البشرية»، وسأل: «من سيكسب فعلياً تلك الأموال؟ الجمعيات الخيرية أم المحطة التلفزيونية؟». مراسل حرب الصحيفة طالب بـ«إلغاء البرنامج وطرد المشاهير وتوجّه المنتجين إلى محاورة الجنود الحقيقيين العائدين من الجبهة والاستماع إلى شهاداتهم وتجاربهم... هذا سيكون واقعياً وحقيقياً بالفعل». الجنود من جهتهم، قالوا إن «البرنامج يسخّف المهمات التي كنا نقوم بها، وما زال رفاقنا ينفذونها في أفغانستان». أما السؤال الذي رحّب به معظم المشاركين في النقاش: فهو: «لماذا لا نخصّص برنامجاً واقعياً عن ظروف البقاء على قيد الحياة خلال الحرب من وجهة نظر الشعب الأفغاني مثلاً؟». تعليق آخر لمّح إلى «دور بروباغندي» تؤديه «إن. بي. سي» لمصلحة إحدى «شركات تعهدات الحرب» في الولايات المتحدة. لكن المحطة ردّت على منتقديها بالقول إن برنامجها مجرد «تحية إجلال واحترام وعربون شكر لجنودنا البواسل الأبطال»!

http://www.nbc.com/stars-earn-stripes


صرخة «نوبل» السلام

بعد يوم على عرض الحلقة الأولى من Stars Earn Stripes، وجّهت تسع شخصيات حائزة جوائز «نوبل» للسلام رسالة إلى إدارة شبكة «إن. بي. سي»، تدعو فيها المحطة الأميركية إلى وقف بث البرنامج «فوراً». موقّعو الرسالة، ومن بينهم المحامية الإيرانية شيرين عبادي، قالوا إن البرنامج «يسيء إلى كل من عاش الحرب أو مات بسببها وإلى كل من يعانون نتائجها السلبية بعد أن يسكت صوت الرصاص». وحتى لحظة كتابة هذه السطور، لم يصدر عن «إن. بي. سي» أي قرار بإلغاء برنامجها الجديد.