خرج تلفزيون «المستقبل» من الركام، محاولاً استعادة دوره المفقود منذ ما قبل 14 شباط (فبراير) 2005، تاريخ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. منذ ذلك الوقت، بدأت أسهم المحطة في التراجع سريعاً، حتى وصلت إلى أدنى مستوياتها خلال العامين الأخيرين، بعد انعكاس الخلافات والمشاكل المالية على مستقبل الشاشة الزرقاء. لم توفر تلك المشاكل «أخبار المستقبل» التي كانت تخطط عند ولادتها لمتابعة الظروف السياسيّة المحليّة والعربيّة، فإذا بها تتخلى عن دورها في ذروة الأزمة التي يعيشها لبنان وسوريا والمنطقة العربيّة... في ولادته الثانية، أراد تلفزيون «المستقبل» أن يخفّف من منسوب الأخبار والبرامج السياسيّة، واتجه نحو برامج المنوعات والاجتماعيّة والدراما. وأول من أمس، أطلّ في حلّة جديدة ولوغو جديد بعد انتقاله من يمين الشاشة إلى يسارها. صحيح أنّ اللون الأزرق الذي لطالما ميّز القناة ظلّ على ما هو عليه، لكنّه ظهر في دائرة صغيرة تحت زاوية بيضاء. ورفعت القناة شعاراً مختلفاً هو «شوف لبعيد» بدلاً من «لعيونك» و«بتمون». طبعاً، خطّط «المستقبل» لعودة مختلفة تبرز ضخامة الإنتاج، وراهن على اسمين أثبتا نجاحهما هما زافين قيومجيان وريما كركي، واستعاد أيضاً رزان مغربي، ابنة المحطة التي أطلقتها في منتصف التسعينيات، قبل أن تحصد شهرة عربيّة وعالميّة بفضل mbc.
غير أنّ المحطة أخطأت في عدم إعطاء الانطلاقة حقّها لجهة الترويج الإعلاني لها، فلم تستعن باللوحات الإعلانية على الطرقات التي تكفل وصولها إلى شريحة أوسع من الجمهور، كما أخطأت في التوقيت الذي اختارته للانطلاقة، لأنّ مرحلة ما بعد رمضان مباشرة هي الأسوأ، إذ يكون الجمهور مصاباً بالملل والتخمة من الشاشة الصغيرة.
مع ذلك، من تابع المحطة في اليومين الماضيين، لاحظ الاختلاف الواضح في نوعيّة الصورة والاهتمام بشبكة البرامج منذ الصباح حتى المساء، وإن كانت الفترة المسائيّة تحتاج إلى ضخ إضافي في البرامج، إذ ليس مقبولاً الاكتفاء ببرنامج واحد يوميّاً بعد الأخبار. عمدت المحطة الى تحسين برنامج «أخبار الصباح» (07:30)، وضمنته فقرات جديدة، ثم الحوار السياسي «كلام بيروت» (09:00)، و«عالم الصباح» (10:00) الذي قدم في ديكور أنيق، إضافة إلى الأعمال الدراميّة اللبنانيّة مع مسلسل «جنى العمر» (الخميس والجمعة 20:30) للكاتبة ماغي بقاعي وبطولة يوسف الخال وإلسا زغيب وسامي أبو حمدان وعايدة صبرا وإخراج ليليان البستاني (إنتاج «أفكار بروداكشن»)، والمصريّة مع مسلسل «الشوارع الخلفيّة» (إنتاج 2011) لليلى علوي وجمال سليمان، والتركية مع «أرض العثمانيين» الذي عرضته «دبي» في رمضان، إضافة إلى المسلسل المكسيكي «ماريانا وسكارليت».
ومع الانطلاقة الجديدة، تقمص زافين شخصيّة المصلح الاجتماعي في «عالأكيد» (الاثنين 20:30)، وهو النسخة العربيّة من البرنامج الفرنسيSans aucun doute. بدا الإعلامي اللبناني قلقاً من اللقاء الأوّل مع جمهور اعتاد متابعته على مدى 13 عاماً في برنامج «سيرة وانفتحت»، فإذا به يطل بشكل مختلف تماماً لجهة المضمون، لأن البرنامج يضع على عاتقه إيجاد حلول لمشاكل المواطنين العقارية والقانونية والاجتماعيّة برفقة فريق ضخم من المعدين وثلاثة محامين يرافقونه في كل حلقة داخل الاستديو. ويتميز البرنامج بإنتاج ضخم لشركة Periba وإخراج باسم كريستو. أما رزان مغربي، فتطل في «طنة وغنّي» (الأحد 20:30) وهو النسخة العربيّة من برنامج Singing Bee الذي صورته كاملاً، لأنها تستعد لتقديم برنامج آخر في القاهرة على قناة «الحياة» هو «صوت الحياة» الذي يضم في لجنة تحكيمه هاني شاكر وسميرة سعيد وحلمي بكر. وتظهر ريما كركي في حلقات جديدة من «بدون زعل» (الثلاثاء 20:30) مع فقرات جديدة. بينما تستكمل بولا يعقوبيان Inter-views (الأربعاء 20:30)، ليكون البرنامج السياسي الوحيد، علماً بأن المحطة تخصص مساحة للتحليل السياسي يوميّاً بعد نشرة الأخبار في DNA مع نديم قطيش. ويتضمن البرنامج تعليقاً ساخراً على الأحداث السياسيّة. كما يواصل ميلاد حدشيتي برنامجه «ناس وناس» (السبت 20:30)، وميشال عشي برنامج المقالب كالمعتاد، فضلاً عن برامج Life Style، و«لمسات» ثم البرنامج التفاعلي الشبابي «صار الوقت».
رغم أنّ «المستقبل» بدأ مرحلة جديدة في مسيرته، فهو لم يقفل الدفاتر القديمة، ولم يسدّد مستحقاته المالية. إذ لم يدفع بعد لشركات الإنتاج التي تعاملت مع المحطة في الأشهر الماضية. وكل ما يحصل عليه أصحاب الحقوق مجرد وعود بتسديد المبالغ الماليّة، لكن لا شيء يتحقّق على الأرض... فهل تخرج الشاشة الزرقاء من تخبطاتها قريباً؟



التعويل على الإعلانات

لا تبدو إدارة «المستقبل» جاهزة للتصريح عن خطّة القناة للمرحلة المقبلة، ولا عن عدد الموظفين الذين استغنت عنهم، ولا عن كيفيّة تسديد ديونها. فقد أرسل إلى المدير التنفيذي رمزي جبيلي المكلف بالشؤون الإداريّة مبلغ مالي لسداد الديون المستحقة، على أن يرسل لاحقاً مبلغ آخر من أجل وضع خطّة للنهوض بها. بعد وصول المبلغ الأول، استخدم كله في التحضير للانطلاقة الجديدة ونجومها كرزان مغربي، ولم يسدد شيء للشركات، وثمة رهان على أن تتمكّن الإعلانات من إعادة «المستقبل» إلى ساحة المنافسة في الأسابيع المقبلة. لكن إذا لم تجر الرياح كما تشتهي سفن المحطة، فهل هناك مخطط بديل يسمح لها بالنهوض مجدداً؟