«حضوركما، وغناؤكما يعنيان لي الكثير على المسرح. بيدي اليمنى، أحمل صوتك يا دالين (جبور)، وبيدي اليسرى أحمل صوتك يا نعيم (الأسمر)، وأرقص. كلما أحسست بكما، أستمرّ بالدوران لساعات وساعات». هكذا خاطب الراقص الصوفي ألبر أكاي الموسيقيَّيْن اللذين تدرّب معهما على العرض الذي سيقدم الليلة في إطار «أمسيات بابل الرمضانية».
في بداية تجربته، عمل ألبر (١٩٧٧) في التصميم البصري الفني وقدّم أعمال فيديو عدة، قبل أن يصاب والده بمرض عضال، ما شكّل منعطفاً في حياته الشخصية والفنية. راح يطرح على نفسه أسئلة مختلفة، فقاده هذا البحث إلى إعادة التواصل مع «الجذور» كما يقول. جذور لم يكن يوماً قريباً منها، لكنه وجد فيها ما كان يبحث عنه. بعدما تمرّن وقدم الرقص المعاصر لفترة، التفت ألبر إلى المدارس الصوفية المولوية في إسطنبول التي ولد وعاش فيها. راح يتردد على الدراويش. يستمتع بمشاهدتهم، وسماعهم، والصلاة معهم... إلى أن استحوذت على اهتمامه إحدى مجموعات المولوية التي تسمح للنساء بممارسة الرقص الدائري خلال حلقات الذكر المولوية. تقرب من تلك المجموعة، وتتلمذ على يد ديدم، إحدى أولى النساء الدراويش في إسطنبول. تعلم منها الطريقة التقليدية التي سيقتصر عليها القسم الأول من عرض الليلة. سيقوم بالدوران على موسيقى تقليدية، مع تقاسيم (مسجلة) على الناي والقانون، إلى جانب الإنشاد الرمضاني. إنّه دوران باللباس الأبيض الذي يرمز إلى الاستعداد لذلك «العرس» كما وصفه جلال الدين الرومي: يوم الممات، يوم رؤية الحبيب... لباس أبيض، يشدّه حزام أسود في الوسط يقال إنه «مؤدِّب» لغرائز الطبيعة البشرية، وقبعة بنية عالية ترمز إلى شاهدة قبر، إضافة إلى «الحِركة» (العباءة السوداء) التي ترمز إلى العالم المادي، ويقبّلها الدرويش ويرميها جانباً قبل البدء بالدوران والاتحاد بالذات الإلهية. يقف الراقص منتصباً، ضامّاً يديه إلى صدره في البداية، قبل أن يسدلهما ليرفع اليمنى إلى السماء مستمداً بها طاقته من الله، فيما يبقى القلب «كعبةً ندور حولها»، بينما اليد اليسرى المرخاة إلى الأسفل تحاول توزيع الطاقة الإلهية على جميع الكائنات على الأرض. بشغف عميق، يشرح Alper Akçay هذه التفاصيل وأهميتها بالنسبة إليه.
لم يكتفِ ألبر بعوالم الدراويش المولويين المعروفة. تردد إلى مجموعة أخرى تعتقد بـ«الشامانية»، مرتبطة أكثر بالموسيقى العلاجية. بعكس المولوية التقليدية، يسمح الشامانيون للدرويش بالارتجال خارج القوالب المعروفة، وبالتنقل خارج دائرته المحدودة.
منذ شهر وألبر في بيروت. لقاؤه مصادفة بصاحب «مسرح بابل» المخرج جواد الأسدي أدى إلى موعد الليلة الذي جهّز له الراقص التركي مع المغنيين دالين جبور ونعيم الأسمر، وعازف الإيقاع علي حوت. في القسم الثاني من حفلة الليلة، سيقدم ألبر وجبور وحوت لوحة إنشادية من التقاليد المصرية، قبل أن ينضم المغني وعازف العود نعيم الأسمر إليهم، ليقدموا نصوصاً لابن الفارض، إضافة إلى قصيدة «نهج البردة» لأحمد شوقي، ليختموا أخيراً برباعيات الخيام.



ألبر أكاي: 9:30 مساء اليوم ـــ «مسرح بابل» (الحمرا ـ بيروت) ـــ للاستعلام: 01/744033