تونس | لم يستطع كثيرون ممّن حضروا الفيلم التسجيلي «الحنظل» للتونسي محمود الجمني أن يتمالكوا دموعهم. الشريط الذي يصوّر شهادات 14 مناضلاً عن التعذيب الذي تعرّضوا له في سجون حكومتي الاستقلال، عُرض أخيراً في إطار الدورة 36 من «مؤتمر الفكر المعاصر» التي حملت عنوان «التعذيب والاضطهاد في المغرب العربي منذ الاستقلال»، كما عُرض ضمن فعاليات مهرجان «وثائقيات تونس». في الفيلم (52 د)، يجمع الجمني 17 شخصاً ليتحدثوا عن كواليس السجون التونسية. من بين هؤلاء 14 مناضلاً من مختلف الأجيال والانتماءات السياسية، حيث جمع تنكيل الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي بين يوسفيين (أنصار الزعيم صالح بن يوسف الذي انشقّ عن الزعيم بورقيبة)، وقوميين ناصريين وبعثيين، ويساريين تروتسكيين وماركسيين لينيين، وإسلاميين، وصولاً إلى ضحايا انتفاضة «الحوض المنجمي» التي مهّدت للثورة التونسية. إضافة إلى هؤلاء، يعرض الفيلم شهادة مسؤول أمني سابق عن آليات عمل «المنظومة التعذيبية» في ظل حكمَيْ بورقيبة وبن علي، وشهادة متخصّص في علم النفس عن التأثيرات التي يخلفها التعذيب على الضحايا، إضافة إلى شهادة الحبيب مرسيط رئيس فرع تونس لـ«منظمة العفو الدولية» الذي سُجن في عهد بورقيبة. رأى الجمني أن يسمّي فيلمه «الحنظل»، لما في هذه التسمية من معادلة موضوعية للمرارة والقسوة التي عايشها هؤلاء السجناء. إنها مرارة القمع والشعور بالمهانة التي عاناها السجناء السياسيون في أقبية حكومتي الاستقلال. اختار المخرج شخوصه من مختلف بقاع البلاد، ولم يركّز على المشاهير... لن نرى وجوهاً معروفة باستثناء المناضل والمؤرخ حسن مرزوق، وأستاذة الفلسفة زينب الشارني، والمعلمة والناشطة زكية الضيفاوي. كان الجلادون يتفنون في تعذيب الشارني وزوجها اللذين اعتُقلا بين 1971 و1975. أما الضيفاوي، فسُجنت على خلفية أحداث «الحوض المنجمي»، في حين يقدّم مرزوق (1930 ــ 2012) شهادته عمّا تعرض له من تعذيب، وهو الذي عرف «حنظل» السجن طيلة سنوات. شريط الجمني الذي يُفترض أن يُعرض في برلين قريباً، يظلّ إحدى أهم الوثائق التي «يخلّد» بها التونسيون مرحلة سوداء من تاريخ بلدهم.