بعدما عرض نفسه في مزاد علني، يعلن اليوم أنّه مرشح لانتخابات نقابة «لميمة البزّاق». إنّه إدمون حداد الممثل الكوميدي الذي أثار الجدل وامتعاض الرقيب والقضاء سابقاً بحجة أنّه «أخلّ بالآداب العامة في مسرحية ساخرة» (الأخبار 24/4/2012). لكنه اليوم يطلّ على هؤلاء وعلى جمهوره من خلف المنبر بصورته المركبة عن شخصية سياسية تعد بالحرية والسيادة والأمان، طارحاً نفسه في ازدواجية المُعارض والموالي، أي في صلب المشهد السياسي المبتذل الذي يعانيه المواطن اللبناني.
هذا ما اختاره حداد؛ النص السياسي الناقد والساخر الذي تطرق فيه إلى قضايا لبنان، من الحرب إلى السلم الحذر، ومن حواجز القتل على الهوية إلى التوريث السياسي، وصولاً إلى ٨ و١٤ آذار، وأساليب حكمهما بالدولار والسلاح وفق طرح حداد.
أطل علينا «المرشح» (إخراج هشام جابر) على وقع أغنيات فيروز. يحيّي الجمهور. وبحركاته الإيمائية، يستقبل ويودع ويشارك في الأفراح والأتراح، محاولاً الوصول إلى المنبر بعد جهد، ليلقي خطابه الحماسي معلناً أنه الأحق بالمنصب المترشح إليه، لأنه ابن الزعيم الكادح العامل في الظلمات مع «لميمة البزاق». يطرح نفسه في صورة غيفارا حيناً، وفي صورة رأسمالي حيناً آخر. إنه سياسي «صادق» إلى درجة أنه كشف «المستور» أمام منتخبيه: أخبرهم أنه سينجح بأصواتهم أو من دونها! هكذا، سنراه هارباً من المنبر، معلناً أنه «غير سويّ جنسياً» وأنّ العمل السياسي هو الذي جعله «كامل الرجولة».
وقع حداد في فخّ الكليشيه. أما الغروتيسك الذي بُنيت عليه الشخصية، فلم يخدم النص، بل أضاعه بين الحركات الهزلية. هكذا، لم تصل شخصية «المرشح» إلى النضوج الكافي لتأسر الجمهور الذي بدا تفاعله مع العرض خجولاً. طرْحُ النصّ كان مباشراً على الرغم من قولبته في حكاية
المرشح إلى «نقابة لميمة البزاق». الصور التي نقلها العرض إلينا، ومنها القمصان السود ومشاكل الكهرباء والرشى والحرب والبيان الانتخابي... كلها استهلكتها الفنون الكوميدية في لبنان، ما جعل من إعادة طرحها مخاطرةً ووقوعاً في الابتذال، خصوصاً في ظل الابتعاد عن مفاجأة الجمهور. اقتصرت سينوغرافيا العرض على المنبر، إضافة إلى إضاءة كافية تتبدل مع الموسيقى الثورية المرافقة.
هذه كانت رؤية إدمون حداد في الشخصية السياسية والحياة الاجتماعية والوعي السياسي إلى المواطن اللبناني الذي لا يحيا ــ بحسب الكوميديان ــ من دون قائد أو زعيم... إنه في حاجة إلى أن يكون مرؤوساً على الدوام. ولهذا، فقد رفع العرض لافتة مكتوبة بحبر السخرية السوداء: «المرشّح، انتخبوه فهو مواطن في خدمة مواطن»!