يواصل هشام جابر المراهنة على «مترو المدينة» كمنبر بديل للفن في بيروت. بعد أشهر على افتتاحه، ها هو «المترو» يعجّ بروّاده، وببرنامج صيفي قد لا تمر فيه ليلة من دون تقديم عرض فني مختلف ومتنوع. هكذا، خصص «مترو المدينة» مساحة لعرض أفلام حول مواضيع معيّنة كل شهر. كذلك يستقبل كل أسبوع سهرات غنائية تطال جميع الأذواق، من أغنيات الأفلام القديمة، إلى الراب والطرب، مروراً بالموسيقى الالكترونية والبديلة، من دون أن يخلو البرنامج الأسبوعي من سهرات راقصة مع DJ.
وليل أوّل من أمس الخميس، اعتلى خشبة «المترو» الفنان (المشاغب) إدمون حداد، ليقدم المونودراما الساخرة «المرشح» من إخراج هشام جابر. لطالما راود جابر همّ جمع الشعب بالنخبة منذ أولى أعماله الفردية السابقة لمشروع «المترو»، متخذاً من «شوشو» مثالاً في كيفية إيصال النقد ضمن قالب يدخل القلب قبل العقل. ولا شك في أنّ سياسة «مترو المدينة» الفنية قائمة على ذلك النهج. هكذا أتى عرض «المرشح» جامعاً بين فن الخطابة، والنقد الفكاهي السياسي والاجتماعي، ضمن توجه أقرب إلى المباشرة منه إلى التجريدية الفنية. مئة شخص من مختلف الأعمار والمشارب كانوا ينتظرون بدء العرض في «المترو». كثيرون لم نعتد لقاءهم عند مداخل المسارح وصالات العرض... وهذا بحد ذاته دليل على نجاح العمل في استقطاب شرائح جديدة من الجمهور.
يفتتح حداد مهرجانه الانتخابي بأسلوب كاريكاتوري تظهر عليه لمسات جابر الإخراجية، ثم يتابع طوال ساعة العرض أداءً مميزاً بحضوره وطاقته، رغم وقوع العمل في بعض الرتابة من وقت إلى آخر. «أيها الأخوة، أيتها الأخوات، أيها الشعب الطيب، أيها الرفاق، أحبائي، يا شعب لبنان العظيم». هكذا يبدأ حداد عرضه بخطاب إلى جمهوره، بعد سلسلة غير منتهية من تكرار النشيد الوطني اللبناني ودعوات إلى الوقوف والإنشاد. ذلك أنّ موسم الانتخابات قريب، والكل معتاد على تلك الخطابات الرنانة المحملة بالكلمات والشعارات الفارغة.
ثمة فارق بسيط هنا بين الواقع والعمل المسرحي، فحداد مرشحٌ إلى نقابة «لمّيمة البزّاق»، و«اللمّيمة» هم الجمهور، أو الناخبون الذين يصارحهم بكل شيء: «أنا ما عندي كبير إلا البزّاق». إنه «بزاق» (بصاق) السياسيين جميعاً في هذا الوطن. «البزّاق» الذي حكموا الناس وأخافوهم، واغتنوا، وحاربوا... باسمه.
عبر إشارات وإحالات بسيطة لكن كفيلة بتحديد المرجع السياسي المعني، يقوم حداد بجولة نقد لخطابات السياسيين المتصارعين على السلطة. ليس ثمة أسرار مخبأة هنا ضمن سطور التملّق السياسي؛ بل إن مرشحنا يقرّ بالحاجة إلى منتخبيه، وحاجتهم إليه: «انتوا بتاكلوا، وأنا باكل». في بعض اللحظات، يصارح حداد جمهوره بلحظات عاطفية، ومشاكل شخصية، كعلاقته بامرأته، وعلاقتها بسيّده. ورغم أن هذا الخروج عن الخطاب السياسي كان يُفترض أن يعمّق قراءة الجمهور لشخصية المرشح، إلا أنّ ذلك لم يُستثمر جيداً في العرض، بل بدا أشبه بنكتة يحكيها رجل سلطة عاجز جنسياً. هكذا، سنرى إحدى مساعدات المرشح، وهي تعيده إلى أمام المنبر، وإلى دوره الخطابي/ السياسي، بعد أن ينسى صفته التي يواجه بها الجمهور ويغرق في سرديات خارج النص. يعود إلى موضوعه: «ولك إذا صوتّوا، وإذا ما صوتوا، رح إجي»... يخلع بذلته الفخمة، متحولاً إلى أحد موظفي الحملة الانتخابية، موزعاً على الجمهور لائحة «المرشح» الانتخابية للتصويت.



«المرشح»: 9:30 مساء كل خميس طيلة آب (أغسطس) الجاري ـــ «مترو المدينة» (الحمراء، بيروت) ـــ
للاستعلام: 76/309363