لأ مش معقول. كنّا نحلم أكيد. في الحلم تضيع الحدود بين الواقعي والعبثي والمتخيّل، بين الرغبة أو السعادة المشتهاة والكابوس، بين الثورة وخطف الأبرياء و… تلفزيون الواقع. منذ يومين، نتفرّج على محطتين لبنانيّتين بارزتين تحوّلان مأساة الرهائن استعراضاً تلفزيونيّاً، وتستغلان مأساة المخطوفين، وتجعلان من ذويهم دمى مثيرة للشفقة، مطلوباً منها أن تكرّر ببغائيّاً الشكر والامتنان لسجّان اسمه أبو ابراهيم، والمدائح لـ«ثورته» المجيدة. لقد دخلت lbc و«الجديد» في سباق لتحقيق الإقبال، على حساب كل المبادئ والمعايير الأخلاقيّة. كل محطّة تؤكّد أنّها كانت السبّاقة، لكن السباق على ماذا؟ على اقتحام غرفة الكنز كما في برنامج Fort Boyard («حصن بويار»، لم تشتر «إل بي سي» فكرته بعد). بل على أنسنة قاطع طريق، بات نجماً استعراضيّاً، وبطلاً قوميّاً هناك من يدعو إلى «رفع صوره في الضاحية»! ما ارتكبه شوارزينيغر السوري الحرّ الذي ظنّ نفسه روبن هود، هو وعصابته، ليس جريمة موصوفة، ليس اعتداءً على أبرياء، ليس عمليّة خطف… إنّه استعراض تلفزيوني يا أصدقاء.
الآن فهمنا. الحكاية كلّها لعبة تشويق إذاً، وهل هناك تشويق أكثر من تحويل مكان اعتقال الزوّار إلى استوديو «ستار أكاديمي»؟ وفي مجال الـ«رياليتي تي في»، كما هو معروف، محطّة بيار الضاهر هي الرائدة. لكن في مجال التحقيقات الصادمة، الأولويّة ما زالت لـ«الجديد». عموماً، كل المهارات ستلتقي عند أقدام أبو ابراهيم. تانيا مهنّا مراسلة lbc عند بوابة كيليس/ باب السلامة على الحدود التركيّة ـــ «تشيك بوينت تشارلي» يعني ـــ تختصر لنا ملحمة «فريق العمل» كما سمّته زميلتها في الاستوديو. «إنّها مغامرة حقيقيّة» تقول المراسلة. برافو! معها شقيق الرهينة عوض إبراهيم وابن الرهينة علي زغيب اللذان استدرجتهما المحطّة إلى مهزلة بلا قرار، فيما اكتفت «الجديد»، من جهتها، بلاعب واحد هو ابن المخطوف حسين عمر. تسأل المراسلة أحد ذوي المخطوفين: «ما هو إحساسك في هذه اللحظة، وأنت تتهيأ لملاقاة أخيك وسائر الضيوف في الداخل؟». السؤال نفسه تطرحه المذيعة السكسي على المتبارزين في «حصن بويار» قبل القفز فوق الهاوية! وقد ابتكرت تانيا مصطلحاً جيو ــ سياسياً جديداً، رددته مراراً: «الداخل السوري». في لاوعيها تدخل المراسلة كهفاً مسحوراً ملؤه العفاريت والجنيات. ملك الجان طبعاً أبو إبراهيم، سنراه على الشاشة، من دون أن نفهم ماذا يطلب، وماذا يريد؟ وبماذا يخدم الخطف الجبان «قضيّته»؟ وماذا سيفعل بضيوفه؟ ولماذا لا يوسّع الآن مجموعته، فـ«يستضيف» أقرباءهم القادمين لزيارتهم أمام كاميرا تلفزيون الواقع؟
اللبنانيّون أغرب شعوب الأرض. مجموعة زوّار لبنانيين اختطفهم قطّاع طرق في سوريا، لتحويلهم وقوداً في فتنة مذهبيّة، وفشلت الخطة لحسن الحظ. هنا تدخّل أحفاد الفينيقيين وصنعوا منها «بزنساً». لعبة تلفزيونيّة، اسمها «حصن اعزاز»، وهرع الجميع ليعيدوا تمثيل مأساتهم، فإذا بهم كومبارس في مهزلة عنوانها «ضيوف أبو ابراهيم». حين أطلقت «الجزيرة» الصرعة، واتهمناها بالتواطؤ مع الخاطفين، كانوا يُعرَفون بـ«الضيوف» حاف، من دون أبو ابراهيم. وكانت المطالب وشروط التحرير مختلفة. لكن ما جرى أوّل من أمس، ثم أمس على الشاشات اللبنانيّة تجاوز إنجازات «صوت الثورة العربيّة». بات باب المضافة مشرّعاً لـ«الإعلاميين والفنّانين»، كي يأتوا ويروا بأم عينهم أن الجماعة ليسوا خاطفين بتاتاً، بل هواة ضيافة وثورة. حين التبس الأمر على مراسلة «الجديد» نوال برّي وقالت «المخطوفين»، انتهرها أحد هؤلاء مصحّحاً «الضيوووووف»! الفنّانون المتّحدون، أبو ابراهيم بالاشتراك مع «المؤسسة اللبنانيّة للإرسال» و«الجديد» يقدّمون الـ«زوّار بزنس»: رحلات سياحيّة لايف، إلى أدغال أعزاز في جوار حلب، حيث تقام ملهاة مبكية ــــ مضحكة أبطالها القسريّون مواطنون عاديّون انتزعوا بالعنف من حياتهم الطبيعية، ووضعوا في استوديو «الضيافة» منذ شهرين… انتظروا موعد البرايم.
عند النشرة المسائيّة، تبارزت المقدّمتان (بفتح الدال أو بكسرها) أيضاً في التملّص من «العَملة الوسخة»: «الجديد» حاولت أن تأخذ مسافة نقديّة (خجولة) من المضيفين الذين تلقّفوا فريقها بالأحضان، وlbc راحت تعطينا دروساً في التربية المدنيّة: «أبو ابراهيم جاء يذكّر اللبنانيين بعجزهم». بل قل بحقارتهم يا عزيزي. بيار الضاهر دخل إلى الضاحية، وبات ينافس «الجديد» على قلوب المشاهدين الشيعة (عفواً على هذا التصنيف الطائفي المقيت)، وأبو ابراهيم وثوّاره صاروا نجوم «ستار أكاديمي ٩». هذا ما يعرف بـ«النهاية السعيدة».