القاهرة | في عام 2009، توفي محمد علاء مبارك فجأة. لم يكن ممكناً صدور قرار رسمي بإعلان الحداد لمشاركة الرئيس المخلوع في مصابه بفقدان حفيده، فلا بروتوكول في العالم ينصّ على ذلك... إلا في النظام الملكي. حينها، أعلنت القنوات المصرية الخاصة الحداد من تلقاء نفسها. لكن خلال اليومين الأخيرين، انطلقت صيحات الاستهجان من الجمهور المصري بسبب إصرار المحطات على عدم تطبيق الحداد كما ينبغي على شهداء الجيش الـ16 الذين قُتلوا في «اعتداء سيناء» يوم الأحد بالقرب من معبر كرم أبو سالم الحدودي مع الكيان الإسرائيلي.
ورغم أن المصاب أليم، كان التعاطي مع الجريمة اعتيادياً كما جرت العادة مع كل كارثة قومية تحلّ بالمصريين، سواء كانت حريق قطار، أو غرق عبّارة بحرية، أو استشهاد أكبر عدد من الجنود منذ حرب تشرين 1973. وحدها قناة «أون تي في» استفادت من طابعها السياسي وغياب المسلسلات والإعلانات عن برمجتها، لتعلن الحداد بعد ساعات قليلة من الحادث الأليم. واعتذرت المحطة من كل الفنانين الذين كانوا سيظهرون في برنامج «رمضان بلدنا»، رغم أنهم إما منشدون أو أصحاب أغنيات وطنية أو شعراء. ووضعت ON TV شريط الحداد الأسود سريعاً على شاشتها، لكن الشريط نفسه لم يظهر على الشاشات الرسمية المصرية إلا عصر اليوم التالي (الاثنين) عندما أعلنت الدولة الحداد العام. قبل ذلك، كانت قنوات خاصة عدة مثل «دريم» و«النهار» قد اكتفت بنعي الشهداء على الشريط الإخباري، بينما قررت cbc وقف العمل في محطة «سي. بي. سي. بلس 2» مساء الاثنين وتحويلها إلى قناة إخبارية، مع منع بث الإعلانات عليها، وقد ساعد في ذلك كون القناة مخصصة لإعادة المواد التي تبثها «سي. بي. سي». أما القناة الوحيدة التي غيّرت نشاطها، فهي «نايل كوميدي» لكونها حكومية. وتم تحميل بثّ محطة «نايل سبورت» عليها.
في المقابل، استمرّت بقية القنوات المصرية من دون تغيير فعلي في خططها البرامجية. هذا الأمر طرح من جديد القضية الجدلية نفسها: ما هو شكل الحداد الإعلامي الذي يجب أن يُطبّق عند أي مصاب جلل؟ في الأصل، لم تعتد القنوات العربية بث تلاوة للقرآن الكريم إلا عند وفاة الملوك والزعماء، ومصر لم يتوفَّ رئيسها منذ أكتوبر 1981 (عند وفاة الحفيد، قدمت بعض القنوات آيات قرآنية وأحاديث دينية). وفي العادة، تتعامل القنوات الحكومية المصرية مع الحداد من خلال بث مواد تسجيلية. لكن هذا يبدو مستحيلاً في رمضان، فهناك مسلسلات يجب أن ينتهي عرضها ليلة عيد الفطر، وهناك حملات إعلانية مدفوعة الأجر، والإخلال بهذه التعاقدات مع الجهات المنتجة يعني الدخول في فوضى كبيرة. ولهذا، اختارت تلك القنوات تحمّل الانتقادات على أساس أنّ فترة الحداد الرسمي (ثلاثة أيام) تنتهي مساء اليوم، وبعدها سيعود الجمهور لمتابعة الشاشات رغماً عنه.