بعدما افتتح «مهرجان كان السينمائي الدولي» دورته الـ 65 بـ«مملكة سطوع القمر»، ها هو فيلم ويس أندرسون ينزل إلى الصالات اللبنانية. عند تفقد أسماء الممثلين المشاركين، نشعر بأنّ المخرج الأميركي (1969) أراد أن يقدّم طاقماً من نجوم التمثيل. لكن السينمائي استطاع توظيف هؤلاء (إدوارد نورتون، بيل موراي، بروس ويليس، فرانسيس ماكدورماند، تيلدا سوينتون) الذين سبق أن تعامل مع معظمهم، في أدوار أعطت الفيلم رونقاً خاصاً من دون أن تطغى نجوميتهم عليه. يكفي هنا أن نعرف أن بطلَيْ الشريط المُطلقين هما طفلان صغيران!تدور أحداث Moonrise Kingdom عام 1965 على جزيرة متخيّلة.

تُضاء الشاشة الكبيرة على مشهد فرار سام (جاريد غلمان) ابن الـ 12 عاماً من مخيم للكشافة. رحلة البحث عن سام، ستقود رئيس المخيم ماستر وارد (إدوارد نورتون) مع الشرطي المسؤول عن الجزيرة الكابتن شارب (بروس ويليس)، إلى التواصل مع أهل الطفل الهارب، ليكتشفوا أن سام... يتيم. وبينما يعلن أهل سام بالتبني أنهم لا ينتظرون عودته وأن الفتى لا يعنيهم، سنشاهد هرَبَ فتاة أخرى، هي سوزي (كارا هايوارد) التي تغادر بيت أهلها الواقع في الجزء المقابل من الجزيرة. لكن اكتشاف أهل سوزي مراسلاتها مع سام، سيوضح الأمر للجميع. بعد مراسلات طويلة بينهما منذ أن التقيا قبل أشهر، خطط سام وسوزي للهرب معاً في ذلك اليوم بالتحديد. يتّحد أهل الفتاة، مع الفرقة الكشفية، والشرطة للبحث عن الطفلين اللذين بدأت علاقة حب تتطور بينهما في ذلك الوقت. في المقابل، يطل علينا الراوي (بوب بلابَن) منذ بداية الشريط ليخبرنا بأن عاصفة قوية ستضرب الجزيرة خلال أيام قليلة، ما يضيف عنصر الخطر والتشويق على سياق القصة.
أسرار وتعقيدات كثيرة ستطرأ رويداً على حبكة الفيلم، لتتشعّب قصة البحث عن الطفلين إلى تفاصيل حياة معظم الشخصيات، ما سيغني الدراما التي لن تخلو من الكوميديا. لكنّ قوة أندرسون في «مملكة سطوع القمر» تبقى قدرته على تطويع قصة حب بين طفلين لجعلها تقول الكثير. في سيناريو فيلمه الذي كتبه بالاشتراك مع رومان كوبولا، يقوِّل أندرسون الطفلين حوارات عشق تتخطى عمرهما، لكن من دون أن تبدو مبتذلة، فتضفي شعوراً غريباً من النضج والرومانسية على علاقة الحب تلك. وهنا لا بد من الإشارة إلى أداء غلمان وهايوارد الذي يتخطّى التجربة الأولى لطفلين. لقد بدا تمثيلهما بليغاً ومحترفاً، وخصوصاً في حركات العيون والتفاصيل الصغيرة المكونة لشخصية كل منهما. في شريطه، يعادل أندرسون عالم الصغار بعالم الكبار، متطرقاً إلى مشاكل كل منهما في خطوط متوازية طوال الفيلم، من دون أن يطغى أحدهما على الآخر. تؤدي الموسيقى التي وضعها ألكسندر ديبلا عن معزوفات للإنكليزي بنجامين بريتن (1913 ـــ 1976)، دوراً مهماً في بلْوَرة مناخ الشريط. وهذا ليس جديداً على أندرسون الذي اعتاد إيلاء الموسيقى أهمية كبرى في أعماله، وها هو يلجأ إلى استخدام موسيقى أثرت عميقاً في طفولته كما يقول.
لا يتوجه «مملكة سطوع القمر» إلى جمهور محدّد، بل يخاطب جميع الفئات العمرية بطبقاته المتعددة والمتشعبة من خلال لغة سينمائية ساحرة كقصص الجنيات، ورومانسية لصيقة بقصص العشق، مع معالجة لعلاقة الأطفال بالسلطة، وتعقيدات الناضجين في علاقاتهم من دون أن يخلو الشريط من التشويق والمرح.

Moonrise Kingdom: «متروبوليس أمبير صوفيل» (بيروت، الأشرفية) ـــ للاستعلام: ٢٠٤٠٨٠/01



من الفلسفة إلى السينما

بعدما أنهى دراسة الفلسفة في جامعة «تكساس»، دخل ويس أندرسون عالم السينما. هكذا بدأ تجربته عام 1994، مع رفيق دربه الممثل والسيناريست الأميركي أوين ويلسون. وضعا في ذلك العام شريطهما القصير الأول Bottle Rocket، واشتركا لاحقاً في كتابة عدد من الأعمال، مثل «راشمور» (1998)، و The Royal Tenenbaums (2001)، و The Life Aquatic with Steve Zissou (2004)، و The Darjeeling Limited (2007). بعد هذا التاريخ، وضع أندرسون بمفرده فيلمين هما Hotel Chevalier (قصير، 2007)، و«الرائع السيد فوكس» (2009)، وصولاً إلى فيلمه الجديد «مملكة سطوع القمر».