القاهرة | يجلس مرتادو المقهى ليشاهدوا أحد برامج الـ «توك شو». المذيع والضيف لا يتحدثان، بل يرفعان لافتات بيضاء كُتب عليها السؤال والجواب: لافتة المذيع تسأل: كيف ترى ما يحدث في مصر الآن؟ يرد الضيف عبر اللافتة: «ما يحدث الآن ليس سوى فساد.
المذيع يرفع لافتة أخرى: هذا الكلام على مسؤوليتك؟ يرد الضيف عبر اللافتة: لا! بعد عرض فيلمه «بدون كلام» تم تكريم المخرج الشاب أشرف نبيل في «مهرجان القاهرة لأفلام حقوق الإنسان» في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. تبلغ مدة الفيلم القصير سبع دقائق وينتهي باندلاع الثورة. لكنّ المخرج الشاب يجد نفسه بعد أشهر قليلة ماثلاً أمام المحاكمة بتهم منها «تضليل الرأي العام» و«إشاعة أخبار كاذبة عن المرشح الرئاسي أحمد شفيق». وبعد حبسه 15 يوماً على ذمة التحقيق، إذا بالمحكمة تدين المخرج ومساعده الشاب أحمد حلمي، وتصدر الحكم قبل أيام بحبسهما 6 أشهر مع وقف التنفيذ، وتسديد غرامة 200 جنيه!
كان نبيل يصور فيلماً قصيرا وتوعوياً عن الرشاوى الانتخابية بعنوان «لا تبيع» من إنتاج شركة «فكرة» التي أنتجت له أيضاً «بدون كلام»، عندما هاجمه أنصار حملة المرشح ـ الخاسر لاحقاً ـ أحمد شفيق. سلّموا المخرج وزميله إلى قسم شرطة حلوان جنوب القاهرة وأحيلا إلى النيابة التي أمرت بضبط وإحضار زميلهما الثالث عبد الله حسن قبل إحالة الأول والثاني إلى محكمة حلوان التي أصدرت حكمها المتقدم.
ولاحظت «الشبكة العربية لحقوق الإنسان» التي تصدت للدفاع عن المخرج وزملائه، أن تهمة «بث أخبار كاذبة» لا محل لها من الإعراب لأنّ الفيلم لم يكن قد انتهى تصويره. وقالت الشبكة التي تنوي استئناف الحكم في بيان لها «إنّ محاكمة أشرف لم تتوافر فيها ضمانات المحاكمة العادلة المتعارف عليها. ومثلت إخلالاً باستقلال القضاء لما رأيناه فيها من الانحياز للأهواء السياسية على حساب القانون».
ومن المهم ملاحظة العبارة التالية في بيان الشبكة «وأدى ذلك لإضفاء شكل قانوني على قمع حرية التعبير والتضييق على (الأصوات المعارضة)». محور الملاحظة أنّ صوت أشرف لم يعد «معارضاً» الآن بعدما انتهت الانتخابات بخسارة شفيق وفوز محمد مرسي، سيما لو عرفنا أنّ المخرج والشركة المنتجة قريبان من التيار الإسلامي وجماعة الإخوان التي احتفى موقعها الرسمي «إخوان أون لاين» بفيلم «بدون كلام» وبمخرجه وممثليه، الذين يصف عملهم ــ أثناء حوار مع أحد أبطال الفيلم ــ بأنه «وسيلة فعالة لتأصيل القيم الإنسانية والتصدي للإسفاف الدرامي والمسرحي والسينمائي المنافي لتقاليد مجتمعنا الشرقي». ويصف الممثل نفسه (خالد العنتيل) بأنه «أحد الشباب الموهوبين الذي أصرَّ على أن يتخذ من الفن ميداناً للجهاد في سبيل تطهير المؤسسات الفنية من الأعمال الخليعة»!
يمكن ملاحظة ذلك إلى حد ما من خلال الفيلم نفسه. لا يجمع أي مشهد بين الممثلين الرجال، والممثلة فاطمة علاء الدين التي تظهر بصحبة الطفلة سهيلة نصار في مشهد منفصل داخل البيت. أما الممثل محمود عبد الوهاب فهو المتحدث الوحيد في الفيلم الذي يثير ذهول الآخرين فقط لأنه يتحدث بصوت مسموع لا عبر لافتة. في النهاية يرمي الجميع اللافتات ويصرخون «الشعب يريد إسقاط النظام». يمكن اختصار الفيلم في عبارة «تنفيذ مباشر لفكرة جذابة».
اليوم "سقط النظام" الذي هتف الفيلم ضده، لكن آثاره باقية في القوانين المقيدة لحقّ التعبير، ويبقى أن نظاماً جديداً ينشأ معلناً الحرب على الفن «المنافي لتقاليد مجتمعنا الشرقي»!