مع انطلاق المهرجانات الصيفية، نشرنا ملفاً يغطّي مختلف المواعيد الفنية التي سيشهدها لبنان والعالم العربي (راجع موقع «الأخبار»). مع ذلك، لم يكن أحدٌ يستبعِد إلغاء المنظّمين برامجهم، أو في أحسن الأحوال، اعتذار الفنانين تباعاً عن عدم القدوم إلى البلد (خصوصاً بعد آخر إغلاق جدّي لطريق المطار). لكن الأمور سارت نحو الأفضل، بعدما هدأت جبهة طرابلس، وبعد سلسلة «التدابير الأمنية/ السياحية» المتخذة.
هكذا، افتتحت «مهرجانات بيبلوس» الموسم مع أيقونة الروك الحيّة عازف الغيتار سلاش وفرقته. تلتها «بيت الدين» مع «كركلا»، ثم «بعلبك» مع «شيكو والغجر». إذاً، نجحت الانطلاقات الثلاثة. وغداً، يحلّ امتحان المحطة الثانية: جوليان كلير في «بيبلوس» (غداً) وزوكيرو (بعلبك)، وعملاق البلوز المغني وعازف الغيتار B. B. King (بيبلوس) مساء الخميس. القائمون على هذه النشاطات الفنية «يَدُهم على قلبهم»، فلا شيء مضموناً في لبنان. مع ذلك، أهلاً وسهلاً بملك البلوز، ونتمنى أن تمرّ أمسيته على خير، ويستمتع الجمهور اللبناني بأنغام غيتاره الساحر وبشدو صوته المعتَّق. تعدّ برمجة أمسية بي. بي. كينغ أحد أهم التحدّيات التي رفعها واضعو برنامج «بيبلوس». وتوضيحاً للصورة، يمكن القول إنّه لو انسحبت هذه المسألة على كل الأنماط الموسيقية في كل المهرجانات، لشهد لبنان صيفاً تاريخياً من شأنه أن يفرض على وسائل الإعلام العالمية الإقامة شهراً كاملاً عندنا لتغطية أحداثه. لكنّ هذه القمة التنظيمية طاولت نمطاً واحداً، ومع الأسف، ذاك الذي يتمتع بأقل شعبية محلياً وعالمياً. البلوز يُحتضر منذ زمن. انتعش في الخمسينيات والستينيات، مرّة من خلال تبنّي رموزه (ومنهم زائرنا) نهوض الـR&B ثم الروك أند رول، ومرّة عبر ظهور مشاريع روك مطعّمة بأنغامٍه (جيمي هندريكس، وفرقة الـ«دورز»، وإيريك كلابتون...). وقد نجد البلوز في الجاز والأغنية الشعبية وحتى في الموسيقى الكلاسيكية المعاصرة وغيرها. لكنّ لجوءاً عَرَضياً إلى سلّم البلوز الموسيقي، لا يعني أبداً استمرارية هذا النمط أو تطوّره. البلوز الذي ننعيه هو البلوز النقيّ.
هل هذا الكلام يشير إلى مجازفة قامت بها «بيبلوس»؟ بالعكس، فملك أصغر وأضعف دولة في العالم يبقى ملكاً. قد يكون سفير دولة عظمى أشدّ تأثيراً منه، لكن لا يحظى باستقبال الملوك إلا الملوك. ومَن سيحضُر حفلة الـ«كينغ» ليس جمهور البلوز فحسب، بل قد يشكّل الأخير أقلية في الحضور.
بي. بي. كينغ (1925)، اسمٌ مرادفٌ لموسيقى البلوز اليوم. احتكاكه الأول بالموسيقى كان من خلال آلة الغيتار، وبيئته الموسيقية الأولى كانت الإنشاد الديني الأسود. منذ الأربعينيات، بدأ بالظهور والانتشار، ثم بإصدار الأسطوانة تلو الأخرى، حتى حصد جوائز بالعشرات وتربّع ملكاً على عرش البلوز غناءً وعزفاً. خاض تجربة في الجاز والصول والـR&B (أو موسيقى السود بشكلٍ عام). لكنّ حصة الأسد في ريبرتواره هي للبلوز (والروك أند رول). أوّل تسجيلاته صدر أواسط الخمسينيات وآخرها يعود إلى 2008، وأشهرها في الفترة الأخيرة هو ذاك الذي جمعه ضمن ثنائياتٍ مع مشاهير الغناء الغربي (من عالم البلوز والروك والبوب...) في ذكرى ميلاده الثمانين (2005) أمثال فان موريسون، وإريك كلابتون، وجون ماير، ومارك نوفلر، وإلتون جون... بي. بي. كينغ مساء بعد غد الخميس في «بيبلوس». إذاً، حان الوقت كي يفكِّر منظّمو المهرجان بملك يمثل نمطاً موسيقياً آخر في الدورات المقبلة... ففي عالم البلوز، أي اسم بعد الـ«كينغ»، سيعتبر تراجعاً.



أمسية «زوكيرو»: 20:00 مساء الخميس المقبل ـــ «مهرجانات بعلبك» ـــ للاستعلام: 01/999666
أمسية جوليان كلير (غداً) وبي. بي. كينغ (الخميس المقبل) ـــ «مهرجانات بيبلوس» ـــ 09/542020