في الخامسة والأربعين، تخوض النجمة الفرنسية ساندرين بونير (1967) أولى تجاربها الإخراجية في فيلم «كم يغيظني غيابه».
وكان سبق لها أن وقفت وراء الكاميرا للمرة الأولى قبل 5 سنوات، لإخراج فيلم وثائقي بعنوان «اسمها سابين»، حيث قدّمت بورتريه إنسانياً مؤثراً لأختها الصغرى المصابة بالتوحّد، ولقي حفاوة نقدية بالغة عند عرضه في تظاهرة «أسبوعي المخرجين» في «مهرجان كان» (2007).
لا شك في أنّ مكانة ساندرين بونير الفنية والشهرة التي حقّقتها كممثلة أسهمتا في تسليط الضوء على «كم يغيظني غيابه». الشريط كان الحدث الأبرز في برنامج «أسبوع النقاد» خلال الدورة الأخيرة من «كان». لكن النجمة الفرنسية التي تحلّ اليوم ضيفة شرف على «متروبوليس أمبير صوفيل»، ليست مجرد ممثلة مكرّسة تتطلّع لاستغلال الشهرة التي حققتها أمام الكاميرا للانتقال إلى الإخراج، بغية لفت الأنظار أو تحقيق نزوة نرجسية. تأتي تجربة الإخراج امتداداً طبيعياً لمسار هذه الممثلة التي تكرّس اسمها على مدى العقود الثلاثة الماضية، أيقونة لسينما المؤلف الفرنسية.
يعود الفضل في اكتشاف بونير إلى موريس بيالا الذي أُعجب بها منذ ظهورها الأول على الشاشة بدور صغير في فيلم La Boum الشهير لكلود بينوتو (1980). عندها، رشّح بونير لدور بطولة نالت عنه جائزة «سيزار» أفضل ممثلة ناشئة في فيلمه «في صحة حبنا» (1983). ثم أصبحت ممثلته الأثيرة وخصّها ببطولة اثنين من أشهر أفلامه هما «بوليس» (1985)، و«تحت سماء الشيطان» (1987) الذي خطف السعفة الذهبية الأكثر إثارة للجدل في تاريخ «مهرجان كان».
بعد النجاح الذي حقّقه فيلمها الأول تحت إدارة بيالا، تلقّف أبرز رموز سينما المؤلف في فرنسا النجمة الصاعدة. بالتزامن مع «بوليس»، مثلت بونير، عام 1985 في ثلاثة أفلام أخرى، هي «بلانش وماري» لجاك رينار، و«أفضل ما في الحياة» لرينو فيكتور، و«بلا سقف ولا قانون» لأنييس فاردا الذي نال جائزة «الأسد الذهبي» في «مهرجان البندقية». هنا تقمّصت شخصية مشرّدة باريسية شابة ينتهي بها الأمر إلى الموت برداً على الرصيف الشتوي المثلج. دور خوّلها الحصول ثانية على جائزة «سيزار» عن فئة أفضل ممثلة مكرسة، وكانت أصغر فرنسية نالت هذه الجائزة، إذ لم تكن قد تجاوزت الـ18 عاماً.
توالت بعد ذلك أدوارها في أعمال مرموقة حملت تواقيع أبرز رموز السينما المثقّفة الفرنسية. عام 1986، مثّلت في «الطهرانية» لجاك دوايّون (1986)، وفي العام التالي قدّمت (إلى جانب «تحت سماء الشيطان») فيلمين هما «الأبرياء» لأندريه تيشيني، و«صُفرة المسدّس» لأوليفييه لانغلوا. ثم تلاها «بضعة أيام معي» لكلود سوتيه (1988)، و«أسيرة الصحراء» لريمون دوباردون (1990)، و«جان العذراء» لجاك ريفيت (1994)، و«مائة ليلة وليلة في سينما سيمون» لأنييس فاردا (1995)، وصولاً إلى «الاحتفال» لكلود شابرول الذي نالت عنه (مناصفة مع شريكتها في البطولة إيزابيل أوبير) جائزة أفضل ممثلة في «مهرجان البندقية» (1995).
خارج فرنسا، لم تكن خيارات ساندرين بونير أقل تميزاً. عام 1990، مثلت في Verso sera للإيطالية فرانشيسكا أركيبوغي. ثم «الطاعون» للأرجنتيني لويس بينزو (1991)، و«براغ» للاسكتلندي يان سيلار (1992)، وNever Ever للأميركي تشارلز فينش (1996)، و«امرأة فاتنة» للأميركي برايان دي بالما (2002). كذلك مثلت في فيلمين للمخرج المغربي صافي نبو، هما «عنق الزرافة» (2004) و«بصمة الملاك» (2008).
رغم مرور السنين وتراكم التجارب، ما زالت ساندرين بونير تحتفظ بالكثير من براءة البدايات. لا تكاد تفارقها الابتسامة الطفولية التي صنعت شهرتها ومنحت لتعابير وجهها دوماً خفة وعفوية تخفيان بإتقان طبعها التراجيدي، ما يمنحها قدرة متجددة على مفاجأة جمهورها ومرواغته في كل دور تتقمصه على الشاشة...

«كم يغيظني غيابه» لساندرين بونير: 8:00 مساء اليوم