لا تزال الاعترافات في المدوّنة الأدبيّة العربية مقتصرة على الحديث عن الميول الجنسية (محمّد شكري، عبد الله الطايع...). وقد يكون حدثاً نادراً، أن يكتب أحد الأدباء العرب سيرته النفسية، ويوزّعها على القرّاء من دون حرج. مساء اليوم، يوقّع الشاعر اللبناني عادل نصّار «الانتباه! ـــ سيرة مريض نفسي» في خطوة جريئة قلّ مثيلها. 32 صفحة يفرغ فيها نصّار أهمّ مجريات حياته التي لازمتها أمراضٌ نفسية منذ الطفولة. كان صغيراً حين توفي والداه وشقيقه الأصغر في حادث انفجار لغْم عامَ 1976، واختفى شقيقه الأوسط أثناء معارك جبل لبنان في العام نفسه. كل هذا الفقدان يُعزى إلى الحرب الأهليّة، وحروب لبنان التي يحمّلها نصّار مسؤوليّة ما وصلَ إليه. أزمات ومشاكل متتالية، أدخلت صاحب «مشروع شهيد افتراضي» في نفق مظلم، تعرّف فيه إلى أطباء فاشلين، ومستشفيات «تصعق» مرضاها كهربائياً.
اليوم، مع تدوين سيرته، «تخلصتُ من عبء ذاكرتي التي تختزن أحداثاً مشحونة بالمعاناة والألم» يقول لـ«الأخبار». يكتب صاحب «العزلة» عن مرضه الذي شخّصه بعض الأطباء بأنّه «شيزوفرينيا»، فيما قال آخرون إنه «ذُهان». يمكن هنا القول إنه يشبه شخصية جون ناش التي أدّاها راسل كرو في فيلم a beautiful mind. هو، إذاً، شخص يتوهّم أشياء، ويعيشها على أنها حقيقية. كان نصّار، مثلاً، يؤوّل تصرفات أصدقائه العاديّة بأنها «تهديدات من المافيا»! هكذا، اضطر إلى السفر، ولجأ إلى الحبوب المنوّمة، أو إلى العزلة. لم يكن يجيد معاملة الأنثى، وكان دائم الاكتئاب، ويتجنّب التعرّف إلى أشخاص جدد. لكنْ بعد سنوات من البحث عن سبب الخوف ثم «مهاجمته»، صار اليوم أفضل. في خلاصة سيرته، يكتب أن السلام حلٌّ دائم لمشكلته، ولمشكلات الكثير من الناس: «كيف يمكن أن نحيا حياة طبيعية في ظل هذه الأجواء الضاغطة، من دون أن نصاب بالجنون وفقدان التوازن؟ آثار الحرب لا تتعلّق فقط بعدد المصابين والمقتولين، بل تتعلق بالسؤال عن أحوال الذين ما زالوا على قيد الحياة». كرّاس نصّار الذي طبعه على حسابه يمكن وصفه بأنه وثيقة إنسانية جديرة بالاحترام ورفع القبّعة، في عصر تدهور الإنسانية ونُدْرة القبّعات.



توقيع «الانتباه! ـــ سيرة مريض نفسي»: 9:00 مساء اليوم ـــ «مترو المدينة» (الحمرا، بيروت) ــ للاستعلام: 76/309363