دمشق | ينشغل المخرج المسرحي هشام كفارنة (1959) بعرضه «ماتا هاري» الذي سيحتضنه «مسرح الحمراء» في دمشق. لكن الأحداث الدامية ألقت بظلالها على التجربة، «هناك 30 ممثلاً يشاركون في العمل. يكفي غياب واحد لأنّه يقيم في منطقة متوترة أمنياً، حتى تتوقف البروفة ويؤجل العرض»، يقول كفارنة لـ«الأخبار». في عرضه الجديد، اختار مدير «المسرح القومي» معالجة سيرة الراقصة الهولندية ماتا هاري (مارغريتا غرترودا زيلي، 1876 ـــ 1917) التي تعتبر أشهر جاسوسة في التاريخ الحديث، أعدمها الفرنسيون بعد اتهامها بالتجسس لصالح ألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى.
في الرؤية الإخراجية التي عمل عليها كفارنة، قسّم الدور إلى أربع مراحل تمتد من 1880حتى 1917، وتبدأ عندما كانت ماتا هاري في المراهقة وصولاً إلى إعدامها. جسدت هذه المراحل العمرية أربع ممثلات: لانا شميط، روجينا رحمون، رنا ريشة، أمانة والي. عمل كفارنة مع راقصات محترفات (رهف شيحاوي، سجى الآغا، ديانا درويش، ومها الأطرش) لتقديم رقصات صممها الكوريغراف معتز ملاطية لي ضمن لعبة إخراجية تعتمد أولاً على الماكياج والأزياء للتحايل على عدم قدرة كلّ الممثلات على تأدية الرقصات بشكل احترافي. للراقصة اللعوب عشاق يتنافسون على قلبها لكنّهم يلفظونها حالما يغادرون فراشها. وقد جسّد أدوارهم تيسير إدريس، فائق عرقسوسي، علي قاسم، كفاح الخوص، قصي قدسية...




وكمجمل أعمال كفارنة، يتميّز العرض (بالفصحى) بالتكثيف الزماني والمكاني، واللعبة البصرية المتداخلة على الخشبة باعتبار النص كتب بأسلوب سينمائي أكثر منه مسرحياً.
عن تجاهل عروض «المسرح القومي» للشارع المنتفض، أجاب كفارنة: «وظيفة المسرح مختلفة عن الإعلام. قد ينجح المخرج في إسقاط نصّ عالمي على الأحداث الدموية التي نعيشها. العرض الناجح يفتح أبواباً للنقاش والتحريض عند المتلقّي».

«ماتا هاري»: بدءاً من 19 حزيران (يونيو) حتى 5 تموز (يوليو) ــ مسرح «الحمراء» (دمشق) ـــ 00963112222016



عميلة مزدوجة

التحول الرئيسي في حياة ماتا هاري كان عندما انتقلت مع زوجها إلى إندونيسيا، هناك انبهرت بالشرق وعالمه، وأتقنت الرقص الشرقي. هجرت زوجها بعد موت ابنها الصغير ووصلت إلى باريس عام 1903 حيث اشتهرت كراقصة باسم «ماتا هاري». أكثر فصول حياتها صخباً وغموضاً بدأ مع الحرب العالمية الأولى ودخول ألمانيا الحرب. حين عادت إلى هولندا، جنّدها قنصل ألمانيا جاسوسة ضد الفرنسيين ليصبح اسمها الحركي «هـ 21». كان خطؤها القاتل ارتباطها بقصة حب مع ضابط روسي، وملاحقتها من قبل أحد كبار رجالات الاستخبارات الفرنسية الذي جنّدها أيضاً ضد الألمان. هكذا، تحولت إلى عميلة مزدوجة حتى كُشف أمرها وأعدمت على يد الاستخبارات الفرنسية.




أيقونة حقيقية

أنجز نص «ماتا هاري» الذي سيحتضنه «مسرح الحمراء» في دمشق وزير الثقافة السوري رياض عصمت، مستنداً إلى الكثير من الوثائق والمعلومات المتناقضة والمثيرة التي أرّخت لحياة الراقصة الحسناء التي أرادت التلاعب بقلوب عشاقها، وتحقيق حلمها في احتراف الرقص والفن، لكنّها تحولت في النهاية إلى ضحية الصراعات السياسية للدول العظمى المتناحرة. هذا ما جعلها أيقونة حقيقية، ومحط إعجاب صنّاع السينما العالمية، لما احتوته حياتها من صراعات وأحداث رومانسية وإثارة وتشويق. وقد حاول كل منهم ترجمتها على طريقته الخاصة. كذلك جسدت شخصيتها جميلات السينما العالمية، مثل غريتا غاربو، ومارلين ديتريش، وجان مورو، وفرنسواز فابيان.