دمشق | يتوّج أمين معلوف اليوم الخميس بعضوية «الأكاديمية الفرنسية» ليحتلّ المقعد رقم 29 خلفاً للفيلسوف الراحل كلود ليفي ستروس. كما سيكون الشخصية الثانية عربياً، بعد الروائية الجزائرية آسيا جبار في قائمة أعضاء هذه المؤسسة العريقة المكلّفة السهر على اللغة الفرنسية. في مراسم مهيبة، وطقس احتفالي اعتادته الأكاديمية مع دخول كل عضو جديد إلى صرحها، سوف يلقي صاحب «ليون الأفريقي» كلمة في المناسبة، يشيد خلالها بسلفه، مؤكداً على الجوانب الإنسانية في سيرة الفيلسوف الراحل.
هكذا سيقف الروائي اللبناني الفرنكوفوني بين أيدي أعضاء لجنة الشرف التي يرأسها جان كلود فاسكيل لتنصيبه واضعاً الرداء الأخضر، والسيف المصنوع خصيصاً له بزخارف ومرجعيات لبنانية وفينيقية، أبرزها الأرزة اللبنانية، وصورة ماريان رمز الثورة الفرنسية، ومنحوتة تمثّل خطف زوس المتنكر بهيئة ثور للآلهة الفينيقية أوروبا.
اختيار أمين معلوف لعضوية الأكاديمية، يؤكد مجدداً على نزاهة مهنية اختطتها المؤسسة الرصينة في تعزيز سجلّها الأكاديمي. وقد أوضح الكاتب الذي سبق أن نال جائزة «غونكور» الفرنسية عن روايته «صخرة طانيوس» (1993) بأنّ السيف المصنوع من مراجع ثقافية متنوّعة يمثّل «رمزاً للعلاقات الضاربة بين الشرق والغرب».
في الواقع، فإنّ سجّل أمين معلوف الأدبي يتمحوّر حول هذه النقطة على وجه التحديد، إذ أسّس مشروعه الروائي على الخرائط والهويات المتداخلة في منطقة لم تكن يوماً لفئة دون غيرها، وفقاً لمصائر شخوصه الروائية بجذورها الإثنية المتعددة، وهوياتها القاتلة، حسب عنوان أحد كتبه. يرغب أمين معلوف في «موانئ المشرق»، أو «سمرقند»، أو «ليون الأفريقي» في رسم تضاريس جديدة للتاريخ، لا تأبه بالحدود الجغرافية الضيّقة، ما يجعل شخصيات رواياته تتجوّل في فضاء مفتوح على أمكنة وأزمنة تحضّ من دون هوادة على التسامح والعيش المشترك ونبذ العصبيات.
أرق الهوية شكل ثيمة أساسية في أعماله، ليس من منطلق التشبث بهذه الهوية أو تلك، بقدر تأكيده على الذوبان في الجموع من خلال قراءة أركيولوجية، لا تمنح أحداً في نهاية المطاف الخصوصية المثلى، إنما التشاركية في صنع التاريخ.
في «الهويات القاتلة»، شرّح معلوف هذه المعضلة بعمق لجهة معنى الانتماء، والتأكيد على الانتماء الإنساني في المقام الأول، وهو ما مهّد له أولاً في كتابه «الحروب الصليبية كما رآها العرب» (1983) ثم في «موانئ المشرق»، وفي «بدايات» كسيرة عائلية متعددة الجذور، إلى كتابه الأخير «اختلال العالم» (2009) الذي كان بمثابة وصفة تشخيصية لأحوال القرن الجديد في ظل الفوضى والاضطرابات والهيمنة، وحمل نقداً لاذعاً لما آل إليه العالم مطلع ألفية جديدة، لم تبشّر بالديموقراطية، كما كان متوقعاً، وإنما بحروب طاحنة، وفقر وديكتاتوريات.
واعتبر أنّ أسباب الاختلال أخلاقية في الدرجة الأولى، واحتضار للقيم التنويرية في الغرب، على رغم التطور التقني الذي حققته الحضارة الغربية. اللافت في أعمال أمين معلوف بأنها شعبية بالنسبة إلى قراء العربية، بصرف النظر عن ثقلها المعرفي. هذا روائي حوّل التاريخ إلى حكاية مسليّة وليس درساً جافاً.