فرصة قيّمة تقدمها «غاليري صفير ــــ زملر» للتعرف إلى أحد أهم وجوه الفن المعاصر في المنطقة. إنّه الاماراتي الطليعيّ حسن شريف الذي تحتضن الصالة معرضاً استعادياً لأعماله من 1980 حتى 2012. رغم أنّ مشواره الفني بدأ منذ السبعينيات، إلا أنّ التقدير الذي حظي به، جاء متأخراً. ولد شريف عام 1951 في ما أصبح اليوم دبي الحديثة. كان شاهداً على تحوّل المنطقة من مجتمع البدو الرحل إلى محور استهلاكي، ومدينة ناطحات السحاب، فحرص على توثيق هذا التحوّل من خلال التجهيزات والرسوم والمنحوتات وعروض الأداء في مسيرة مهنية امتدت على خمسة عقود.
بدأ أولاً برسم الكاريكاتور في «أخبار دبي» المجلة الأسبوعية الوحيدة في الامارات خلال السبعينيات. لكنّه ملّ سريعاً التهكم السلبي الموجود في فنّ الكاريكاتور، فقرر عام 1979 البحث عن لغة جديدة تقدم التهكم الإيجابي والمثير، متخطياً مستوى الدعابة ليقارب محيطه ضمن أعمال فنية متعددة الوسائط.
من هنا، بدأ شريف بتجميع الأغراض حوله التي تشكل جزءاً أساسياً من نتاج المجتمع الاستهلاكي الذي راح يتسلل إلى دبي. كانت غرفته ــ وما زالت ـــ تمتلئ بعلب الكرتون، وصحون الألمنيوم، والمستوعبات المعدنية، وحبال النايلون، والملاعق، وأكواب البلاستيك، والجرائد....لم يرمها يوماً، بل كان يحوّلها إلى أعمال فنية كلما ضاقت بها مساحة غرفته على حد قوله. كان يسلب تلك الاغراض صفتها العملية. يطوي ملاعق ببعضها، ويعقدها بحبال النايلون، مع جرائد مطلية بالغراء، ليشكّل بها سلاسل تتدلى في صالات العرض، محاكية بذلك ناطحات السحاب التي تعلو سماء دبي. صناديق كثيرة مصنوعة من الجرائد، تستحيل قراءتها، لكنها تحتوي على صناديق وأغراض مكونة من فضلات المجتمع الاستهلاكي.
يفضل شريف أن يطلق إسم «أشياء» على أعماله بدلاً من «منحوتات». يرى أنّ النحات يخفّف من المادة التي يعمل بها بهدف إنتاج عمله. أما هو، فيضيف إليها عناصر جديدة. عندما بدأ «أب الفن المفاهيمي» في الإمارات عمله في الثمانينيات، كان تعتبر إنتاجاته بلا قيمة، ولم يتم الاعتراف به إلا في العقد الأخير. والواقع أنّه لا يمكن مقاربة أعماله من زاوية واحدة. تتبلور أهميتها في القراءة الانثروبولوجية والسوسيولوجية لمجتمع عايش الفنان عبوره إلى الإستهلاك، والأسئلة التي يثيرها عبر تلك الأعمال. بعكس المدارس الفنية السابقة، لا تقدم الفنون المعاصرة أعمالاً كاملة، بل تطرح مساحة للمساءلة. خلال النقاش الذي أجرته معه منظّمة المعارض كاترين دافيد في فضاء «أشكال ألوان» ليلة افتتاح معرضه، أعاد شريف التخلّف الفني الذي نشهده اليوم إلى «عيشنا في عالم يعيد إنتاج الأعمال الفنية بنسخة رديئة. اليوم، نتعرف إلى الفن المعاصر عبر الانترنت والكتب والصور، فنفقد البعد الثلاثي للأعمال التي أصبحت مسطحة». لذلك، دعا زوّار معرضه إلى تلمّس الأعمال، وفتح العلب، والتفاعل معها، خصوصاً أنّه يرى فيها بعداً جنسياً وإيروتيكياً يستدعي تفاعل الحواس معه. واعتبر أنّ مستوى الفن العربي بدأ يتدهور منذ زمن الثورات والانقلابات في الخمسينيات. ولدى اكتشاف النفط في الدول العربية، بدأ الحكام يطالبون الفنانين بتقديم فنّ يسهل على الشعب فهمه. كذلك، برزت نزعة البحث عن «الفن العربي الأصيل» الذي يعتبر شريف أنّ لا وجود له، ما دفع الفنانين إلى إدخال الخط العربي في اللوحات، فتوقّف تطور الفن البصري العربي ومال إلى التقوقع. من الواجب التوقف عند تجربة هذا الفنان الفريدة والطليعية. لم يحبطه تجاهل السوق العربية لأعماله، بل واظب على تطوير مفاهيمه طوال عقود قبل أن ينصفه عالم الفن المعاصر.

معرض حسن شريف ـــ حتى 21 تموز (يوليو) ــ «غاليري صفير ـــــ زملر» (الكرنتينا/ بيروت) ــ
للاستعلام: 01/566550



تجريب وفعل

فعل التراكم والتجميع تبلور في رسومات حسن شريف أيضاً. تظهر الأشكال الهندسية والألوان والأعمال الحسابية مكرّرة في إحتمالات عديدة. إيمانه بأهمية الفعل دفعه إلى التجريب والمحاولة. كما قام بترجمة الفعل في العروض الادائية. إذ كان يطلب من أصدقائه أن يصوّروه فوتوغرافياً، بينما يقفز، أو يجري حفرة في الصحراء، أو يكتب... كلها أفعال بسيطة موثَّقة في صور فوتوغرافية ومعروضة مع رسومات وملاحظات تفسيرية عن تفاصيل الفعل دوّنها الفنان بنفسه. عروض أدائية تؤكد على الإيمان بأهمية الفعل في البحث الفني الذي قاده شريف منذ الثمانينيات، وبدأ يرى آثاره في ساحات التحرير العربية اليوم.