القاهرة | بعد دقائق على انتهاء جلسة النطق بالحكم على الرئيس المخلوع حسني مبارك وولديه وكبار رجال نظامه يوم السبت، كانت إحدى القنوات الرسمية المصرية تبث برنامجاً نسائياً، بينما كانت أخرى تابعة لـ«ماسبيرو» تعرض برنامجاً تسجيلياً عن يوسف إدريس. كانت الخطة المعدة مسبقاً تقضي بأن يتم التعامل مع جلسة النطق بالحكم ــ أياً كان ــ باعتبارها حدثاً مهماً لا ينبغي أن تستمر آثاره. تكرّر الأمر بدرجات متفاوتة في القنوات الخاصة. بعضها فتح الهواء لساعات أكثر، وهناك محطات أخرى كـ«الحياة» أكملت برامج يوم السبت كما هوي بعد انتهاء تغطية محاكمة القرن.
أما التغطية فكانت واحدة على كل القنوات: مراسلون في مقر المحكمة تعرّض بعضهم لاعتداءات من مناصرين لمبارك، ومحللون في الاستديو. لكن «الجزيرة مباشر مصر» كانت محط الأنظار، خصوصاً عندما تصبّ الثورة غضبها على النظام ولا يكون الإخوان المسلمون طرفاً مباشراً في الصراع كما حدث أول من أمس، حين نزل الناس بالملايين إلى الشارع يطالبون بمجلس رئاسي مدني واعادة المحاكمات وعزل النائب العام عبد المجيد محمود. كل هذه المطالب نقلتها كل القنوات، لكنّ «الجزيرة» فتحت هواءها للجمهور، فجاءت التصريحات الساخنة من الشعب الغاضب لتعكس صورة الشارع الحقيقية. الناس يريدون سماع أنفسهم، لا المحللين السياسيين. درس لم تدركه المحطات المصرية التي تزال تعاني من ضغوط جمة. هكذا حولت الفضائيات المحلية الحدث إلى شاشات تنقل صورة من دون صوت، بينما اختلف المحلّلون في ما بينهم على تقييم الموقف. لم تفتح قناة واحدة حتى خطوط الهاتف للمشاهدين ليعبروا عن رأيهم رغم أن هذه الخطوة تحصل عادة عندما يكون عدد المتظاهرين قليلاً وتهدف إلى اسقاط الشرعية عنهم كما حدث في التظاهرات التي أعقبت إعلان وصول أحمد شفيق ـ أبرز رجال المخلوع ـ إلى جولة الاعادة في الانتخابات الرئاسية. لكن عندما يكون هتاف «انتفاضة 2 يونيو» «المرة دي بجد مش هنسيبها لحد»، تعود الحيرة إلى العاملين في الاعلام المصري. هل تعكس شاشاتهم لسان حال الشارع؟ ماذا لو أغضب ذلك القائمين على شؤون البلاد الآن؟ ماذا لو انحسرت الحركة سريعاً وغادر الناس الميدان ولصقت تهمة التحريض بالقنوات؟ وفي ظل اتهام الاعلام المصري بأنه كان أبرز وسائل حصار الثورة ووصول البلاد إلى ما وصلت إليه الآن بعد اسقاط رأس النظام منذ 18 شهراً، كان طبيعياً أن يبحث الناس عن إعلام يتحرر من القيود حتى لو كان ذلك لاهداف أخرى كـ«الجزيرة». تضاف إلى ذلك خبرة القناة القطرية في متابعة الأحداث الساخنة سواء من ناحية عدد المراسلين والكاميرات المنتشرة في أنحاء مصر، أو متابعة الأخبار على مستويات عدة.
أمام تلكؤ القنوات في تغطية المجريات على الأرض، عاد الألق إلى فايسبوك وتويتر، وانهمرت التعليقات والصور التي تحمّس الشباب للعودة إلى الميدان. بعضهم نقل الحدث لحظة بلحظة من الميدان من خلال نشر الصور عبر تويتر. وسط كل هذا، لم تصمد بعض المحطات أمام هدير الشارع، فراح بعضها يعرض فقرات تحلّل نفسية مبارك ورجاله في قفص الاتهام، وهناك من اهتم بالتفسير القانوني للأحكام وكيف نجح النظام في طمس الأدلة من خلال رجاله الذين لم تتطح بهم الثورة، ومن أجلهم خرجت الانتفاضة الجديدة. التطوّرات الأخيرة في مصر أثبتت مجدداً أنّ الإعلام البديل يظلّ الناقل الأكثر أمانةً لما يحدث على الأرض.