دمشق | في سابقة لم يشهد لها مثيل في تاريخ البث الفضائي العربي، تابع الجمهور أول من أمس المؤتمر الصحافي الذي عقده الأمين العام للجامعة العربية، نبيل العربي، بعد الاجتماع الاستثنائي لوزراء الخارجية العرب. وتلا العربي توصية الاجتماع لإدارتي شركتي الأقمار الصناعية «عربسات» و«نايلسات» بوقف بث جميع الفضائيات السورية الرسمية وغير الرسمية. وتأتي الخطوة بعد سلسلة من العقوبات التي اتخذها الأميركيون والأوروبيون بحق التلفزيون السوري وقناة «الدنيا» المملوكة لرجل الأعمال والنائب محمد حمشو. هذا التحرك أراح إلى حد ما أطرافاً في المعارضة السورية سارعت إلى التطبيل والتزمير له، متناسية أنّ أسلوب الإقصاء والحجب الذي يُنتهج بحق الإعلام السوري اليوم هو ذاته الأسلوب الذي أُخذ على النظام السوري في ممارساته ضد الإعلاميين لفترة طويلة.
إذاً، لم يكن كافياً حجب المحطات السورية عن القمر الأوروبي Hotbird وما اتخذ من عقوبات بحق التلفزيون الرسمي، فأتبعت هذه الإجراءات بتوصية لحظر جديد يشمل كلّ الفضائيات السورية الرسمية وغير الرسمية على القمرين العربيين. اللافت أنّ القرار لم يستثن المحطات غير السياسية مثل قناة «سوريا دراما» التي تبث مسلسلات وبرامج فنية على مدار الساعة. هذه الخطوة أثارت مخاوف نجوم الدراما السورية على صناعتهم وأعمالهم التي إن لم يكتب لها التسويق على محطات غير سورية، فقد يسهم القرار في حجبها أيضاً عن جمهورها العريض.
صحيح أنّ مقاربة المحطات السورية للأزمة كانت مضحكة في بعض الأحيان، مع الاستماتة في الدفاع عن النظام ومهاجمة خصومه، والسطحية التي تغرق بها محطة «الدنيا» شبه الرسمية وطريقة تعاطيها مع مجريات الأحداث إلى درجة استفزازية في الكثير من الأماكن، إلا أنّه لا يمكن تجاهل الدور الذي تقوم به بعض هذه المحطات في فضح الأكاذيب والتجاوزات والأخطاء المهنية التي وقعت فيها محطات كبيرة، مثل «العربية» والجزيرة وحتى «بي. بي. سي». وكلّنا يذكر الخطأ الفادح الذي وقعت فيه الأخيرة منذ أسبوع فقط، حين نشرت على موقعها صورة من بغداد عام 2003 على أنّها من مجزرة الحولة السورية («الأخبار»، عدد 29 أيار/ مايو 2012). وسرعان ما اعتذرت المحطة بعدما اعترض صاحب الصورة الإيطالي ماركو دي لورو، وقال عبر صفحته الشخصية على فايسبوك إنّه فوجئ من عدم قدرة المحطة على التأكد من مصادرها. طبعاً، يبدو هذا الخطأ الذي أسهمت الفضائيات السورية في كشفه بسيطاً أمام ما عرضه الإعلامي رفيق لطف بعد سيطرة الجيش السوري النظامي على حي بابا عمرو وبثّ تقارير تظهر ناشطين مثل خالد أبو صالح وهم يعدّون العدة لتصوير تمثيليات ظهرت على قناة «الجزيرة» لاحقاً ومجموعة من الأحداث تثبت تورط المحطة القطرية في تنفيذ أجندة ممهورة بخاتم الإعلام القطري. كل ذلك ربما ما كان ليسمع أو ليشاهد لولا تدخل الفضائيات السورية في الوقت المناسب.
من جهته وصف اتحاد الصحافيين السوريين الخطوة بـ«غير المسبوقة وغير المبررة والمخالفة لجميع الأعراف والأصول». واعتبر قرار مجلس الوزراء العرب «اعتداء على حرية التعبير والكلمة وخطراً على الثقافة البشرية وحقوق الإنسان العربي». أما وزير الإعلام السوري عدنان محمود، فيتساءل في حديثه مع «الأخبار» عن غياب خطوات مشابهة يتخذها الوزراء العرب ضد الإعلام التحريضي الذي يعاقب عليه القانون، لا في المحطات التي تتخذ من الدين ستاراً لتبث سموماً طائفية فحسب، بل حتى في رسائل المحطات الإخبارية الاحترافية. ويرى أنّ هذه الخطوة غير مسبوقة، تخالف جميع الأعراف والقوانين ومواثيق الشرف الخاصة بمهنة الإعلام. ورأى أنّه منذ الحرب الأميركية على العراق «هناك مبدأ يسود لدى بعض الفضائيات العربية وهو اعتماد الصورة المصنّعة بدلاً من الحقيقية. وهذا المبدأ وصل إلى الذروة في الحرب الإعلامية التي تواجهها سوريا». وعن انعكاسات هذا القرار ومدى التزام القمرين العربيين به، قال إنّ وزارته تتواصل جدياً مع كل الجهات المعنية بالأمر ومع إدارتي «عربسات» و«نايلسات». ويراهن الوزير على أن استقلالية الأخير ستمنعه من اتخاذ أي إجراءات ضد المحطات السورية. ويتابع: «سوريا من مؤسسي القمر «عربسات» ولا يجوز لإدارته اتخاذ أي إجراء غير قانوني ضد إعلامنا». وبغض النظر عن هوية المستهدف في قرار الوزراء العرب، فإنّه يعتبر أولاً وأخيراً تعدياً فاضحاً على الحريات الإعلامية ... لكن، هل ستستجيب إدارتا القمرين لهذا الطلب؟



استنكار في الشارع

حالما خرجت توصيات مجلس وزراء الخارجية العرب، سارعت وسائل الإعلام السورية إلى الرد على توصيتهم بوقف بثّ المحطات السورية على القمرين. الصحافة الرسمية شنت هجوماً على الخطوة على طريقة المرافعات القضائية، فيما أعدّت الفضائيات تقارير ميدانية سجلت آراء الشارع بهذه الخطوة، وصبت في خانة واحدة تستنكر القرار.
وأعرب بعض الإعلاميين والمواطنين السوريين عن غضبهم، مطالبين الحكومة بإيجاد بديل سريع في حال وقف بث القنوات الفضائية فعلاً على القمرين العربيين. وقد تفاعلت مواقع التواصل الاجتماعي مع القرار بين آراء اعتبرت الخطوة إفلاساً من الوزراء العرب، وبين أخرى هلّلت للخطوة.