قبل نحو سنة، كان مُشاهدو القنوات الإخبارية موزّعين على معسكرين تفرّقهما الخيارات السياسيّة، وتجمعهما حلة عصرية أحدثت انقلاباً في طريقة صناعة الخبر التلفزيوني: «العربية» و«الجزيرة». كانت المحطة السعودية صورة عن الإعلام الفضائي الناطق باسم نظام تيوقراطي واستبدادي، فيما الثانية ـــ رغم النظام الذي يرعاها ـــ كانت أقرب إلى وجدان المواطن العربي أو هكذا بدت الصورة على الأقل…
اليوم انقلبت التحالفات، واصطف «الإخوة الأعداء» في خندق واحد، بوصلته المصالح السياسية لأنظمة الخليج. والنتيجة تعتيم في البحرين، وتحريض في سوريا، سياسة تضليل الرأي العام، والبث المنهجي للسموم… لذلك، ربّما اتجهت الأنظار إلى «الميادين»: هل تعيد غرفة أخبار المحطّة الوليدة بعضاً من التوازن إلى المشهد الفضائي العربي؟ «مدير الأخبار» سامي كليب يرى أنّ «ثمة مؤامرة على الرأي العام العربي، تجلّت في تخندق الإعلام في المعارك السياسية»، والانحياز المعلن إلى خيار استراتيجي في المنطقة (من آفة المذهبيّة إلى التسامح مع الاستعمار وإسرائيل) على حساب الخيار الآخر الذي يعبّر عن مزاج الجماهير. لذا، المطلوب «ربيع إعلامي عربي».
الإعلامي اللبناني الذي صنع شهرته في «الجزيرة»، مثله مثل غسان بن جدّو، يؤكّد لـ«الأخبار» أنّ «الميادين» ستنأى بنفسها عن الاصطفافات المذهبية والطائفية التي أصابت الإعلام، وستنقل الخبر كما هو، واضعة الصدقية في سلّم أولويّاتها، مع وجود انحيازين: «الانحياز الإنساني، والانحياز للمقاومة بشكلها الواسع بدءاً من فلسطين». لكن هل انحياز المحطة إلى هذه القضايا قد يوقعها في الإعلام الإيديولوجي الموجّه؟ يجيب كليب: «غسان (بن جدو) وأنا عملنا في مؤسسات كبيرة، ونعرف أنّ اتباع الفكر الإعلامي الحديث يجنّبنا الوقوع في هذا الفخ. يمكن وضع مختلف وجهات النظر، والحفاظ على ثوابتك في آن واحد».
تعتمد المحطة على 125 موظفاً في قسم الأخبار، وعلى شبكة مراسلين منتشرة في 28 عاصمة عربيّة وعالميّة، وصولاً إلى أميركا اللاتينية والصين… «لكنّنا لن نستضيف إسرائيليين طبعاً»، يستدرك كليب. ثم يضيف بثقة: «ستتمتع المحطة بأعلى سقف حرية وجرأة في المشهد الإعلامي». وينفي أن يكون وجود مكتب أساسي للمحطّة في دمشق خطراً من التقاط عدوى الإعلام الرسمي السوري؛ فـ«السلطة والمعارضة ستمثّلان بالتساوي في أخبارنا. علماً بأنّنا شخصياً ضدّ أي تدخّل عسكري أجنبي في أي بلد عربي». أما عن المعايير التي تحكّمت باختيار مراسلي «الميادين»، فهي «الكفاءة والاختبارات» كما يؤكّد. ويلفت نظرنا إلى أنّ المحطة متنوّعة الجنسيات والانتماءات السياسية و… حتّى الطائفية. وحين نسأله عن التحدّي الأبرز التي ستواجهه، يجيب: «ندخل إعلامياً في مرحلة مصيرية في الوطن العربي، حيث كل طرف يعتقد أنّنا سنكون إلى جانبه. التحدي يكمن في الوقوف على المسافة نفسها من الجميع».
هل تحمل المحطّة الوليدة ـــ من خلال غرفة أخبارها ـــ بشائر «الربيع الإعلامي» الذي يدعو إليه سامي كليب، على قاعدة المهنية والاحتراف، ومن دون التفريط بثوابت مترسّخة في وجدان الشارع العربي، أولها المقاومة؟ أم ستكون نسخة سالبة من «الجزيرة» و«العربية» وأخواتهما؟