تواصل «متروبوليس أمبير صوفيل» تظاهرة «دفاتر يومية» مع عرض فيلمين ابتداءً من يوم الخميس هما «مارسيدس» لهادي زكاك، وIt is all in lebanon لوسام شرف (راجع المقال أدناه). رغم أنّ زكاك (1974) يعدّ المخرج الوحيد في «دفاتر يومية» الذي يملك في رصيده عدداً كبيراً من الأفلام، لكن كجميع الأعمال الوثائقية، لم تتسنّ لنا مشاهدتها في عروض تجارية باستثناء «درس في التاريخ» الذي عرضته «متروبوليس» منذ سنتين.
منذ بداية مشواره مع الفيلم الوثائقي، اهتمّ زكاك بتقديم أعمال تحاول تفكيك نسيج المجتمع اللبناني. إلى جانب تلك التي صوّرها لقناة «الجزيرة»، أنجز أفلاماً تركز على قراءة الطوائف بدءاً بـ«الأقباط» (2004) وصولاً إلى «أصداء شيعية من لبنان» (2007) و«أصداء سنية من لبنان» (2008). بعد تلك الجولة على الطوائف اللبنانية بغية تشريحها، أعلن زكاك «يأسه» من التوصّل إلى صورة أوضح لتلك التركيبة الطائفية والسياسية والاجتماعية، وفضّل السيارات على البشر لأنّها «أقل طائفية» على حد تعبيره. هكذا، اختار سيارة «مارسيدس» ليجعلها بطلة فيلمه الوثائقي. منذ الخمسينيات «ترك أفراد العائلة ألمانيا، واستقروا في لبنان». إنّهم سيارات مارسيدس «سمعوا عن هذا البلد الصغير الذي يلتقي فيه الشرق والغرب». جاؤوا في مرحلة توصف بالعصر الذهبي لبيروت. ملأوا ساحة البرج، وعملوا كسيارات أجرة عند وجهاء البلد. عبر سيارات المارسيدس، يقودنا زكاك في رحلة في تاريخ لبنان ابتداءً من الخمسينيات حتى اليوم. محطات كثيرة يتوقف عندها، أولاها الحرب الأهلية، المحطة الأساس في الشريط. على الحواجز وخطوط التماس تجدونها، حتى أنها تعرضت للتفجير، والتلغيم... نجد أفقرها التي جاءت بيروت في الستينيات وما زالت حتى اليوم تجول شوارع المدينة، فاقدة عيناً، أو مرقعة الهيكل. ونجد أيضاً أخواتها التي اختارها القصر الجمهوري، والسياسيون، فصُفّحت، وتبخترت باعتزاز في أرقى الشوارع. هذا من دون أن ينسى زكاك المجزرة التي طالت عدداً كبيراً من أفراد العائلة عند «السان جورج» في 14 شباط (فبراير) 2005 وقفزة في محطة المستقبل أي عام 2020، حين أصبح للعائلة مجلس شيوخ، وانخرط أبناؤها في الأحزاب والطوائف اللبنانية.
في صورة مميزة لموريل أبو الروس، وبعض مشاهد التحريك (ديفيد حبشي)، اتخذ زكاك من سيارات المارسيدس شخصية لفيلمه، ووسيلة لكتابة التاريخ. يذكر بعض الشخصيات السياسية والأحزاب في لبنان، لكن الجميع يلعب دور الكومبارس أمام البطولة المطلقة للمارسيدس. إلى جانب البعد السياسي والتاريخي، تتخلل الفيلم مشاهد مؤسلبة يصوّر فيها المخرج سيارات المارسيدس في لحظات حبّ وخصام. ورغم النفحة الفكاهية التي أضافتها إلى الفيلم، أتت مبالغة بعض الشيء.
ذلك الهم في كتابة تاريخ لبنان الحديث، ما زال يرافق زكاك. ها هو يعاود انتقاد التركيبة الطائفية في «مارسيدس»، علة البلد التي تتفاقم وتنمو في نفوس أجيال جديدة، وما يحصل اليوم في مختلف المناطق اللبنانية ليس إلا مظهراً من تجلياتها.

«مارسيدس» لهادي زكاك: ابتداء من ٣١ أيار (مايو) ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» (الأشرفية ـ بيروت) ــ 01/204080






قريباً على الشاشة

تاكسي صنعاء



في أواخر العام 2010، وقبل شهر من بدء الاحتجاجات الشعبية في اليمن التي أدت الى إنهاء حكم علي عبد الله الصالح الذي استمرّ نحو 33 عاماً، صوّر هادي زكاك «تاكسي صنعاء» (2012). في هذا الشريط، يرصد المخرج اللبناني المرحلة التي مهّدت للثورة من خلال الإضاءة على الفقر والجوع والفوضى وتجميع شهادات شخصيات يمنية. الشريط سيعرض على قناة «الجزيرة الوثائقية» ضمن سلسلة 12 فيلماً تحمل عنوان «تاكسي المدينة» أنجزها زكاك لصالح المحطة القطرية.