البصرة | انتهت أخيراً فعاليات «مهرجان المربد الشعري التاسع» في البصرة، لكن الكلام لم ينته. دورة هذا العام التي حملت اسم الشاعر العراقي ألفريد سمعان (1928)، تدفعنا مجدّداً إلى القول بضرورة مغادرة لغة «الطوارئ» و«الظروف الاستثنائيّة» التي يتذرّع بها منظمو الحدث السنوي. إنها الذرائع ذاتها التي باتت الثقافة العراقية مرتهنة بها، حتى أنها غدت تُساق مع كلّ إخفاق أو هفوة في تنظيم نشاط ثقافي ما: «ذلك أفضل من لا شيء»، أو «المهمّ أن نقيم الفعاليّة في ظلّ هذه الأوضاع».
بمعزل عن «الأوضاع» وتأثيرها في الإنسان العراقيّ المغلوب على أمره، بات لزاماً على الوسط الثقافيّ أن يشتغل على إنضاج مناسبات أدبيّة بعين تتطلّع الى الأكمل والأكثر احترافاً، في ظل البيئة المحيطة الطاردة للإبداع والمبدعين. وإن لم يجر ذلك، فإنّ إقامة فعالية مماثلة ستكون خدمة مجانية للسياسيّين الذين يصرّون على إقصاء المثقفين، بل التشويش على أدوارهم في لحظة حرجة سمتها الأساسية تراجع الوعي والذائقة معاً وتزايد نسب الأمية في البلاد.
المهرجان الذي أقيم أخيراً في البصرة، بشعاره الخالي من أيّ ابتكار «المربد.. إبداع.. ثقافة»، كان يمكن أن يصحح أخطاء السنوات الماضية ويعطي صورة أخرى عن المربد. لكن للأسف، بدت نسخة العام أكثر إخفاقاً وأقلّ تنظيماً من السابق. هكذا، شهدنا رفض اثنين من الشعراء العراقيين المقيمين في الخارج (محمد سعيد الصكّار، وشاكر لعيبي) المشاركة في الكرنفال، بسبب تأخر وصول الدعوات إليهما. كنا شاهدين أيضاً على تقليص عدد الشعراء المشاركين في كل جلسة من 30 إلى 20 شاعراً! كما أحبطنا عدم قدرة مدينة السيّاب على استقبال أكثر من 350 ضيفاً عربياً وعراقياً، على الرغم من المبلغ الكافي المرصود للفعالية. يُضاف إلى ذلك، عجز المنظمين عن ضبط إيقاع الجلسات الشعرية والنقدية، التي بدا أن الفوضى وغياب الاستماع من سماتها الأساسية.
لا نقسو على المهرجان حين نبدأ بسلبياته، فهدفنا ارتقاؤه واستعادة مكانته وردّ الاعتبار إلى الأسماء الهامّة التي يحمل اسمها على عاتقه. نجحت فعالية هذا العام في ترسيخ الحضور العربي في العراق، بعدما كان ضعيفاً في السنوات الماضية. تعرفنا إلى شعراء قليلاً ما يطالعهم الوسط الثقافي العراقي، مثل ياسين عدنان (المغرب)، وأحمد بزّون (لبنان)، إلى جانب شعراء سادَ اعتقاد لدى الحضور بأن استضافتهم مبنية على علاقات شخصية مع المكلّفين بتوجيه الدعوات. سمة أخرى تُحسب للمهرجان هي جريدته اليومية التي بدت على نحو مختلف عن الأعوام السابقة، خصوصاً استكتاب مجموعة من الأدباء في محاور محدّدة سلفاً، مثل «فكرة المدن الثقافيّة» للقاص محمد خضيّر، و«عراق السيّاب» للباحث حيدر سعيد، مع شهادة عن الشعر وحصار التسعينيات للشاعر عبد الزهرة زكي. إضافة إلى هذا، قُدّم إلى الحضور إهداء، هو عبارة عن مطبوعَيْن: عدد خاص من مجلة «فنارات» الفصليّة التي تصدر عن اتحاد أدباء البصرة، وكتاب يوثّق قصائد ملتقى قصيدة النثر الثاني المقام قبل أشهر في البصرة. بعض النشاطات التي ضُربت على هامش المهرجان، كانت أفضل من متنه. نذكر هنا فيلم نادين لبكي «وهلأ لوين» الذي عُرض في قاعة فندق القصر العباسي، وإقامة معارض للكتاب والفنّ التشكيلي، والاستمتاع بأنغام فرقة «الخشابة» البصريّة، مع زيارة بعض المشاركين لتمثال السيّاب والتقاط الصور التذكاريّة قربه. إذن، مشكلة «المربد» ليست في تكرار أخطائه ذاتها، بل في العقلية التي قد تواجهنا العام المقبل بعبارات اللوم ذاتها: لمَ تنتقدونا والمهرجان مهرجانكم؟ كأنّ النقد يستهدف الشخوص، لا تطوير الثقافة العراقيّة وحراكها بشكل عام.