القاهرة | مساء الخميس، كان رقم الهاتف الخليوي لوردة الجزائرية يرد على كل متّصل عكس العادة. نجاة، مديرة أعمال الفنانة الراحلة وكاتمة أسرارها، كانت ترد لتؤكد الخبر: وردة لم تعد موجودة، وكل من كان يتمنى أن يكون الخبر شائعة أصيب بخيبة أمل. إذن الخبر حقيقي ولا مجال للتشكيك. وردة ماتت في القاهرة على بعد أمتار من النيل الذي تطل عليه البناية الفخمة التي تسكنها في شارع عبد العزيز آل سعود. البناية نالت شهرتها ليس من موقعها الجغرافي المميز، بل من كون وردة الجزائرية تسكن فيها. هل وردة جزائرية فقط؟ المولودة في باريس من أب جزائري وأم لبنانية التي عاشت معظم مشوار عمرها في القاهرة، كانت أول مطربة تغني لنصر أكتوبر «حلوة بلادي السمرا بلادي».
يومها، هرعت إلى التلفزيون المصري مع زوجها السابق الموسيقار بليغ حمدي ولم يخرجا منه إلا بعد انجاز الأغنية لحناً وتسجيلاً وغناءً. وردة عربية، ملك للجميع، كانت الاستثناء الوحيد في موقعة أم درمان الشهيرة بين الشعبين المصري والجزائري. خرج حكماء الوسط الفني ليصرخوا «ارفعوا ايديكم عن وردة» بعدما طالب بعض السفهاء بترحيلها من القاهرة. مَن كان يجرؤ على إبعاد وردة من جوار النيل؟ لا أحد بالطبع.
السيدة القوية التي خاضت معارك حياتها الشخصية والفنية، لم تكن لتهزمها معركة مفتعلة بين مشجعي كرة القدم في بلدها الأم وفي المحروسة. حتى المعركة الأخيرة التي خاضتها قبل أسابيع من رحيلها، خرجت منها منتصرة وحققت ما تريد بعدما طالبوها بالاعتزال بسبب فشل ألبومها الأخير والوحيد مع «روتانا» (اللي ضاع من عمري). أجابت وردة بأنّها تشعر بالسعادة ما دامت تغني ولن تعتزل إلا بالموت. وهكذا صار. غادرت الحياة بهدوء بأزمة قلبية مساء الخميس، وصلّى عليها أمس في «مسجد صلاح الدين» في المنيل بجوار كوبري الجامعة الشهير في القاهرة.. فيما بدأ توافد الفنانين على منزلها فور إعلان الخبر: نبيلة عبيد جلست بجوارها لقراءة القرآن، وحضرت فيفي عبده، وشيرين عبد الوهاب التي نالت اشادات عديدة من وردة في حواراتها الصحافية، والمخرجة ساندرا نشأت صاحبة آخر كليب لوردة (اللي ضاع من عمري). وحضرت أيضاً أنغام، والموسيقار محمد سلطان، ونقيب الموسيقيين إيمان البحر درويش، فيما وصل صلاح الشرنوبي منهاراً بعدما دخل في خلاف معها أخيراً حول فكرة الاعتزال. وقد تم الاتفاق على تنظيم مسيرة لوداع وردة بعد صلاة الجنازة، لكنّ الزحام الشديد أدى إلى إلغائها. نجوم الدراما والسينما كانوا أيضاً على الموعد: ميرفت أمين، دلال عبد العزيز، فيفي عبده، نبيلة عبيد، نقيب الممثلين أشرف عبد الغفور، وسلفه أشرف زكي، سامح الصريطي، لبلبة، هاني شاكر، هاني مهنا، وسفير الجزائر في القاهرة نذير غرباوي...
بعد ذلك، نُقل الجثمان إلى مطار القاهرة حيث كانت طائرة الرئاسة الجزائرية تنتظر منذ صباح الجمعة. وقال مصدر مسؤول في مطار القاهرة إنّه بعد وصول الجثمان، أُدخل إلى قرية البضائع بعد تحنيطه وتفريغ الأعضاء الحيوية منه وحقن الأعضاء الرخوية والعروق بمادة الفورمالين، إضافة إلى وضع الجثمان داخل صندوق خشبي مغلق بطبقة من الرصاص، ومبطن بمادة القصدير، حفاظاً عليه لغاية وصوله إلى الجزائر. ورافقت الجثمان ابنتها وداد بعدما تعذّر على ابنها رياض الوصول إلى القاهرة. وقد ظلّ في الجزائر لإنهاء الاجراءات المتعلقة بدفن الفنانة في مقبرة «العالية» في العاصمة. فيما قرر محبوها في القاهرة إقامة عزاء كبير لها الجمعة المقبل في «مسجد الحامدية الشاذلية» في القاهرة لاعطاء الفرصة لذويها للعودة والمشاركة في وداع فنانة لا يمكن اختصار حياتها «في يوم وليلة».

صوَر خلال تشييع وردة في القاهرة أمس