عكا | رغم أن علاقة جوان صفدي (1973) بالموسيقى قديمة، إلا أنّ الفنان الذي أصدر أخيراً ألبومه الشخصي الأول «نمرود» (راجع المقال أدناه) لم يُعرف على نحو جيّد في الأوساط الفنية الفلسطينية إلا قبل سنوات قليلة. انتقال ابن الناصرة إلى بئر السبع، وتأسيسه فرقة «لينسز» لموسيقى الروك بالاشتراك مع موسيقيين إسرائيليين مناهضين للصهيونية، كان كفيلاً ببقائه في الظل.
«لم أشعر بأن رفاقي في الفرقة إسرائيليون. كانوا يساريين وعلى قدر عالٍ من الوعي السياسي، يرفضون الخدمة العسكرية ويمقتون تصرّفات مؤسسة الاحتلال» يقول جوان في حديث لـ«الأخبار». على مدى عشر سنوات، أصدر ثلاثة ألبومات مع رفاقه في Lenses، قبل أن تحاول بعض الجهات السياسية الإسرائيلية التسويق للفرقة على أنها نموذج لـ«التعايش» في محاولة لتبييض صورتها أمام الفن والإعلام العالميين.
حينها، قرر جوان أن يرفع وتيرة الأغنيات السياسية، خصوصاً أنّ تلك المرحلة رافقت اجتياح جنين، ما جعل الفرقة «متطرفة» في نظر الإسرائيليين. يرى جوان أنّ تلك الفترة تمثّل «بداية للصحوة التي مكنتني من إعادة رسم الواقع في ذهني، خصوصاً مع ازدياد وعيي السياسي».
هكذا، غادر بئر السبع، متجهاً إلى حيفا، حيث أسس فرقة جديدة قوامها فنانون فلسطينيون. الصحوة التي عاشها رافقته إلى حيفا أيضاً. كان يغنّي في شارع حيفاوي ضمن أحد المهرجانات، حين تمّ إسكاته ومنعه من مواصلة الغناء بذريعة «أن الأغنيات مثيرة للجدل، لأنها تسلط الضوء على العنصرية وحال اللاجئين والمعتقلين السياسيين، كما أنها «صعبة» على الجمهور اليهودي» حسب ادعاء رجال بلدية حيفا.
فُتح تحقيق في الموضوع بناء على طلب عضو الكنيست اليميني أرييه إلداد بتهمة «التحريض على العنف والإرهاب»، لكن التحقيق أوقف بعد شهرين لانعدام الأدلة. اختار جوان آلة الغيتار لأنها «قوية ومعبرة ومتعددة الإمكانيات، وهي الأنسب لمرافقة الغناء وللنوع الموسيقي الذي أقدّمه». لم يذهب إلى الموسيقى الغربية عن رغبة «بل كانت محض خطوة اتخذتها من دون تفكير». انجذابه إلى الكلمات أكثر من اللحن، وتأثره بموسيقى الروك وأنماط أخرى من الموسيقى العالمية، كانا سببين رئيسيين في جعل تجربته «متفردة وجريئة» في فلسطين. من هنا جاء ألبومه الأول «نمرود» (تمويل شخصي) الذي بدا «متنمرداً» على الواقع وقوالبه الجاهزة.
بدأت فكرة الألبوم مع عبارة كتبها جوان على صفحته على فايسبوك: «أنا أفكّر، إذن أنا نمرود». هكذا، راح يؤلف أغنيات تدور حول قضايا وحالات حياتية واجتماعية يمكن وصفها بـ«العادية» مثل الحب والوطن والدين والإيمان والجنس والفرح والألم... إلا أنّ الموسيقي الشاب قدّمها من وجهة نظر مختلفة، وغالباً ما كان يلامس العيوب التي يعاني منها فهمنا لتلك الموضوعات. طريقه إلى تناول تلك القضايا كان النقد الساخر، حتى أن من يستمع إلى أعماله لا يستطيع أن يمنع ابتسامة أو حتى ضحكة هستيرية تجتاحه. ورغم جرأته التي بتنا نتوقعها في كلّ عمل جديد، إلا أنّ مخاوف عديدة تحيط بالموسيقي الشاب «لكنني لن أتركها تعرقل مسيرتي وتمنعني عن التعبير عما أؤمن به». أحياناً، يشعر بأنه «مثل ذلك الطفل الذي صرخ: «الملِكُ عار!»، متوقعاً صفعة من حاشية الملك». شتائم وتهديدات كثيرة تصل جوان صفدي على نحو متواتر، لكنه يخبرنا أنه سيكمل طريقه كاسراً الحواجز وماحياً الخطوط الحمر، متمسكاً بمقولة: «قل الحق حتى لو ارتجف صوتك».



بدأت الرحلة من الهملايا

لم تبدأ علاقته بالموسيقى في فلسطين، بل في الهند. كان جوان صفدي في رحلة إلى جبال الهملايا قبل عشرين عاماً، عندما قرر تلحين بعض أشعاره وخواطره. على الفور، اشترى آلة غيتار وحاول اللعب عليها من دون أن يرشده أحد إلى ذلك، لكنه فشل في تحقيق رغبته. هكذا، وجد نفسه متجولاً بين تضاريس الجبال، حاملاً حقيبة ثقيلة وغيتاراً لا يجيد العزف عليه. قرر أن يتخلص من الآلة قبل أن يعود إلى فلسطين. هنا، اشترى غيتاراً آخر «أهديته لنفسي في مناسبة عيد ميلادي الحادي والعشرين». في ذلك اليوم، بدأ جوان مشروعه الموسيقي الذي صار عمره اليوم 19 عاماً.