بعدما احتضن «متحف الفن الحديث» في «دار الأوبرا» في القاهرة معرضه «الطريق الى التحرير»، يقدّم محمد عبلة مجموعته «عائلتي» في دبي من خلال «غاليري آرت سبيس»، على أن تحتضن لندن معرضه الفردي الأول قريباً. لا بد من التوقّف عند «الطريق إلى التحرير» الذي بدأ الفنان العمل عليه منذ 2004، لكنّه لم يجد طريقه إلى العرض بعدما خاف أصحاب الغاليريهات من «ثورية» لوحاته.
لم يكن هؤلاء يريدون تعكير مزاج النظام البائد بلوحات تمتلئ بوجوه منهكة أو كولاج يجمع قصاصات صحف ورسوماً كاريكاتورية تشير الى بلد كامل كان على وشك الغرق. بسبب هذا الرفض، ظن التشكيلي المصري أنّ لوحاته ستبقى حبيسة مرسمه، في وسط القاهرة، أو منزله في جزيرة «القرصاية» على نيل الجيزة، إلى أن جاءت الثورة وأفرجت عنها.
في تلك الأعمال، علامات كثيرة هي ابنة أصيلة لتجربته في الاشتغال على مجموعته الشهيرة «ورد النيل». في تلك المرحلة، انشغل الفنان بتجربة العيش في الجزيرة النيلية، وتجلت رموز هذا العالم البسيط من خلال مراكب صيد وأسماك وحيوانات أليفة ولوحات تسودها الألوان النيلية مع الأخضر. لكن مع تعرض «القرصاية» لغزو رجال أعمال أرادوا نهب الجزيرة وطرد فلاحيها، إذا بأعمال عبلة تتحوّل كلها إلى «جداريات رفض» ورايات احتجاج، ومرآة لفضح ما يجري من تجاوزات. ولهذا السبب غلب عليها الطابع التوثيقي. تضمّ غالبية لوحات «الطريق الى التحرير» علامات تشير الى صورة الدولة البوليسية وأدواتها، بما في ذلك التحالفات بين العسكر ورجال الدين. وهي تحالفات تلخص ما يجري اليوم في مصر. نبوءة عبلة كانت كاشفة. في هذه اللوحات، تحضر صور جمال عبد الناصر وحسن نصر الله كرايات الأمل، وبطريقة تكشف حجم الحنين إلى صورة «الزعيم الكاريزمي». في خلفية هذه الرموز التي تبدو كأيقونات، رسم عبلة وجوه بسطاء المصريين موزعة على مساحات كبيرة تتداخل بتقنية أقرب إلى «الكولاج». لكن الفنان لم يعتمد فيها على عناصر خارجية لصنع «التوليف»، بل ابتكر الكولاج من خامات اللوحة ذاتها، فأعاد رسم كاريكاتورات للراحل أحمد حجازي وللفنان سمير عبد الغني، كما رسم مانشيتات صحف تبرز جرائم الأمن وكذب الصحافة القومية المصرية التي كانت تروج لرخاء تفضحه الوجوه التعسة التي وقعت عليها عين الفنان. لوحات تقول لنا أيضاً إنّ الرسالة لم تستكمل بعد الثورة، والاحتجاج لا يزال ضرورياً.



«عائلتي»: حتى 31 أيار ـــ «غاليري آرت سبيس»، دبي
www.artspace-dubai.com